الإختبار الخامس
مسيرة الكون هي ورشة بناء ملكوت الله. بتشبه ورشة بناء هيكل عظيم حجارو من صخور مقالع هالعالم، والبشر هنّي الفعلة بقوّة الله وهنّي البنّائين بحسب مشيئته. بيستخرجوا الحجارة من صخور المقالع بهالدني وبيبنوها حجر ورا حجر، مدماك ورا مدماك، بيعطيها الله الحياة وبيصيروا هنّي حجارة حيّة ببناء الهيكل.
قسم كبير من البشر بيبنوا هياكلهم الخاصة من حجارة بيستخرجوها من صخور هالدني وبيدّعوا إمتلاكها، وبيتقاتلو وبيتخانقو وبيتنازعو عليها. بيبنوا فيها حجر ورا حجر، مدماك ورا مدماك، لكن ما بيقدروا يعطوها الحياة بتبقى ميّتة، لأنّو الله وحدو بيعطي الحياة. هالناس الزايلين بيتركوا الحجار والصخور والمقالع و بيغادروا هالدّني وبتتآكل هياكلهم الصغيرة المبنيّة من حجارة ميّتة وبتزول مع الزمن. فانيين، لا بيبقوا هنّي ولا بتبقى هياكلهم. وحدو هيكل الرّب أبدي ودايم لأنّو حيّ.
ابنوا هيكل الربّ الأبدي وكونوا حجارة حيّة فيه، لا تبنوا هياكلكم الصغيرة المؤقتة من حجارة ميّتة بيفنيها الزمن.
ولا تتنازعوا على تراب وحجار هالدني لأنها مش باقيتلكن.
اعملوا بمثابرة وفرح وتضامن ومحبّة، اعملوا بصبر وتواضع وبطاعة لربّ الهيكل. لأنكم عم تشتغلوا بقوّتو إبنوا بحسب مشيئتو. اعملوا الخير بدون كلل. ما تسعوا ورا الراحة، الراحة خطر كبير عليكم.
إذا شفت فاعل مش عم يعمل شغلو، لا تنتقدو ولا تدينو ولا تلعنو، مسوك معدورك أو منجلك وكفّي شغلك، شغلك رح يخلّيه يشتغل، البناء إلك وإلو والحصاد إلك وإلو، وكلّهم لربّ الهيكل وإله الحصاد.
انظر لخيّك الإنسان نظرتك لذاتك. وكلّ شي بتشوفو بخيّك الإنسان فيه منّو فيك، لأنّو كلّ إنسان هو إنت مع شويّة فروقات. وبدل ما تحكي على خيّك روح إحكي معو أو إلتزم بالصّمت المحبّ.
لا تدين أبداً ولا تحكم على يللي بتشوفوا عينيك، ما تحكم على الميّ اللي بتشوفها بالإناء، ما فيك تعرف بعينيك إذا كانت حلوة أو مالحة، عذبة أو مدقة، وخوابي الخمر من برّا كلّها متل بعضها ولو الخمرة بقلبها بتختلف.
أنظر بيعينيك للخارج وانظر بقلبك للداخل. القلب ما بيدين. أنظر بقلبك لأنو بيقشع أحسن من عينيك وبيشوف اللي ما بتقدر تشوفو بيعينيك. ما تدّعوا المعرفة المطلقة وتبنوا هياكل على حجم معرفتكن بتنهار على رؤوسكم وبتقتلكم.
المعرفة بدّها محبّة تتصير فهم. قدّ ما تعرف إذا ما بتحبّ ما رح تفهم حتى ولو بتعرف كثير. المحبّة أعظم من الذكاء.
منطق المحبّة أسمى من منطق الذكاء. المعرفة الخالية من المحبّة فارغة من الروح مدمّرة للإنسان. الأرض كوكب مقدّس وطأته أقدام إله الكون ونوّرتو أنوار الروح وقلب الله عليه.
البشر بمعرفتهم الخالية من المحبّة جعلوا الأرض مريضة: صار أكلهم سمّهم وشرابهم عطشهم، دواؤهم مرضهم، هواهم عم يخنقهم، راحتهم تعب وسلامهم قلق، فرحهم حزن وسعادتهم عذاب، حقيقتهم وهم ووهمهم حقيقة، وصار نورهم ظلام.
صار عند البشر معرفة أكثر وحكمة أقلّ. صارت النّظريّات بعقولهم مثل الضبابة على الجبال وبالوديان ما بتخلّيهم يقشعوا شي مثل ما هو: نظريّاتهم عم تحجبلهم نظرهم. عماراتهم عم ترتفع، أخلاقهم عم تنخفض. مقتنياتهم عم تزيد، قيمهم عم تنقص. حكيهم عم يزيد، صلاتهم عم تقلّ. مصالحهم عميقة، علاقاتهم سطحيّة. واجهاتهم مليانة، داخلهم فارغ. طرقاتهم عم توسع رؤيتهم عم تضيق. وطرقاتهم كثيرة بس مش عم تودّيهم لعند بعضهم. وسائل إتصالاتهم عديدة بس مش عم توصلهم ببعضهم. أسرّتهم كبيرة ومتينة ومريحة، وأسرهم صغيرة ومفكّكة وتعبانة.
بيعرفو يسرعو ما بيعرفو ينطرو. بيركضوا تيدبّرو معيشتهم، بينسوا يتدبّروا عيشتهم وحياتهم. بينطلقوا بسرعة للخارج بيهملوا الدّاخل. سجناء عم يتباهوا برفاهية سجونهم، تايهين بيتباهوا بالمسافات اللي اجتازوها، أموات عم يفاخروا بفخامة قبورهم،
عم يموتوا من الجّوع وقاعدين على معاجن الخبز، فقراء وقاعدين على كنوز طمروها بأنفسهم،
ليش عم تنزلوا تحت الطاولة تتاكلوا الفتات المتساقط والمايدة ممدودة كلّها لإلكم؟
البشر عم يزرعوا الارض شوك، هلّق بعدو صغير وناعم عم يدغدغلهم إجريهم، لكن بسّ ينما ويعسى رح يمزّق أقدام الأجيال اللي جايي. بتحطّبوا وبتكدّسوا ووبتشعّلوا وبتوقدوا ووبترموا أنفسكم بالنار اللي بتضرموها وبتستغربوا كيف عم تحترقوا. البشرية ضايعة، الإنسان مريض، والعالم عم يحترق.
الله المحبّة هو الهدف والدّليل للبشرية الضايعة، المسيح هو الدواء للإنسان المريض، ماء المعموديّة بالرّوح هو يللي بيطفي حريق العالم.
ابنوا كلّ معرفة على المسيح، كلّ معرفة مبنية خارج أساس المسيح بتهلككم. المعرفة بدون روح جهل.
البنا المبني على الإنسان كلّ ما يعلا كلّ ما يسحق الإنسان تحتو.
بيضلّ الإنسان عايش بالكآبة والقلق ما بيكتفي ولا بيرتوي حتّى يتوحّد مع ذاتو بقلب الله.
اوصلوا لعند بعضكم، انظروا لبعضكم، إصغوا لبعضكم، سلّموا على بعضكم، عزّوا بعضكم بكلام المحبّة والتشجيع، اطلعوا من ذاتكم لعند بعضكم، احضنوا بعضكم بمحبّة المسيح.
إشتغلوا بحقل الرّب بدون كلل ولا ملل، خلّوا أصوات معاديركم تتلّي الوديان وتعلا على صوت ضجيج العالم، وخلّوا أصوات مناجلكم تذكّر الناس بموسم الحصاد.
خلّو صلواتكم للربّ تشقّق الصخور الطرشا وتفجّر الينابيع الخرسا، الصخور بتسمع الصلا والينابيع بتحكي، وكلّهم بيصلّوا وبيمجّدوا ألله.