الصليب وواقع المسيحيين اليوم
كان الصليب اداة للموت والرعب استعمله الرومان بشكل خاص لإلقاء الرعب في قلوب الذين يفكّرون بالتمرّد على سلطتهم وظهر بأبشع مظهر عندما صلب الرومان ستّة آلاف متمرّد من أتباع سبارتاكوس على طول الشارع في كابووي في روما.
فكان هذا الموت كافيًا لإظهار الصليب كآلة رعب وموت بشع، وأصبح علامة قوّة سلطان هذا العالم وشدّة سيطرته وعبوديته للبشر. فكان كلّ من حاول التفكير بالتمرّد على سلطان هذا العالم والتحرّر من عبوديّته، يرتجف أمام فكرة الصلب ويخضع لعبوديته.
ثم فجأة ظهر رجل في تلك الأيام يقول أمام الجميع ويفتحر "حاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب يسوع المسيح". و"لم أعرف إلا المسيح وإياه مصلوباً" و "إن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة أمّا عندنا نحن فهي قوّة الله".
كان كلامه في ذلك العصر صادمًا لمَن يسمعه، فهذا رجل يفتخر بآلة رعب وموت مات عليها شخص حوكِمَ على أنّه متمرّد، تجرّأ على مواجهة سلطان هذا العالم.
وانطلق الرسل يبشّرون بقيامة يسوع المسيح وانتصاره، هوَ الذي قال لهم: "الآن يُطرد رئيس هذا العالم خارجًا، وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليّ الجميع.
ارتفع يسوع على الصليب وطُرِحَ سيدّ هذا العالم خارجًا. انتصر الربّ يسوع، إنهار سلطان هذا العالم أمام يسوع المُرتفع على الصليب، القائم من الموت، إنهزم الموت وإنهزمت الخطيئة.
أصبح الصليب علامة هزيمة الخطيئة وانتصار محبّة الله وحريّة الإنسان من عبوديّة الخطيئة.
لم يعد الصليب علامة عبوديّة سلطان هذا العالم للبشر بل علامة حريّة البشر.
إذاً أنا لا استطيع أن أتحرّر من الخطيئة بدون الصليب.
إذا كنتُ مصلوبًا مع يسوع على الصليب لإ أنا حرّ، وأتحرّر من الخطيئة كما قال القديس بولس "الذي قد صلب العالم لي وأنا للعالم". فعندما تكون مع المصلوب على الصليب، يَصلُب يسوع العالم لنا ويحرّرنا من سلطان العالم الذي يستعبدنا ويصلبنا للعالم كما فعل هو بنفسه، الذي صُلِبَ لأجلنا.
فنحمل مثل مار بولس في جسدنا سمات الربّ يسوع ونكمّل في جسدنا ما نقُصَ من آلام يسوع، ونتحرّر من الخطيئة ونصبح على صورة الله.
لماذا يهرب المسيحيّون اليوم من الصليب؟ هل ما زلنا نعتقد مثل الوثنييّن ان الصليب عبوديّة وأن الهرب منه حريّة؟
لقدا بدأ مفهوم الصليب يغيب عن روحانيتنا، ويسعى المسيحيّ اليوم للرفاهية والراحة ويسير سيرة العالم الذي دخل حياتنا بقوّة.
فروح العالم اليوم يستمرّ بالزحف الى داخلنا وثقافة العالم اليوم هي الراحة والرفاهية، وهنا الخدعة الكبرى. فبهروب المسيحيّين من الصليب يسقطون في فخّ العبوديّة فيستعبدهم العالم من جديد بدل أن ينتصروا عليه بالصليب. فأين يهرب الإنسان من خطيئته؟ وكيف يتحرّر منها؟ هل بالهرب من الصليب والمصلوب؟ أم بالاتّحاد به على الصليب؟
فسرّ الصليب هو سرّ محبّة الله وتضحيته من أجلنا وإذا لم نعش سرّ الصليب، نعيش بالراحة والرفاهية في هذا العالم الزائل حيث لا شيء يدوم.
فالحياة الأبديّة تمرّ بالصليب مع يسوع المصلوب. وهنا دعوتنا لمراجعة مسلكنا في هذا العالم والعودة الى المحبّة والرحمة والتضحية. فكما تجلّت رحمة الله للإنسان على الصليب فكذلك يجب أن تتجلّى رحمة الله فينا أيضًا وعلى الصليب كذلك. فصليب يسوع هو الحريّة والحياة وهو فخرنا لأنّنا به دخلنا ملكوت الله والحياة الأبديّة.
زال عنّا سلطان هذا العالم وسلطان الموت ولم يعد هناك أي شيء يرهبنا وعلينا أن نحمل صليبنا ونتبع يسوع رغم كلّ الظروف والصعوبات والأهوال والويلات في هذا العالم.
نحن شهود المسيح والقيامة في هذا الشرق ويجب أن نعي حقيقة رسالتنا وشهادتنا ونلتزم بها غير خائفين وغير متردّدين وبدون قلق ودون تململ وتأفّف ونقّ وتذمّر.
فالنصر في النهاية للمسيح المصلوب والقائم من الموت والهرب من الصليب هزيمة.
من إختبارات ريمون ناضر مع القديس شربل:
"الصليب هو المفتاح اللي بيحِلّ قفل الخطيّة، بيحِلّ غال الموت وبيفتح باب السما. الصليب هو مفتاح باب السما، ما في مفتاح غيرو."
مقصد:
امام الصليب اقف وقفة يوميّة أتأمل بالصليب والمصلوب.
ريمون ناضر – أيلول 2015 - كنيسة مار شربل، أدونيس