لأحمل صليبي بفرح
لاحظت الأرملة الجميلة أولادها الصغار يهربون من أمام وجهها عندما تعود من عملها مرهقة للغاية.
تساءلت في نفسها: لماذا أحمل هذا الصليب الثقيل؟ لقد مات زوجي الحبيب وأنا في ريعان شبابي، تاركاً لي ثلاثة أطفال، وها أنا أكدّ وأشقى كل يوم، ولا تفارق العبوسة وجهي.
كرهني الجميع، حتى أطفالي يهربون من وجهي. إني لا أحتملهم وهم يلعبون ويلهون... ولكن ما ذنبي؟ صليبي أثقل من أن يحتمل!
ركعت الأرملة في إحدى الليالي تطلب من الله أن يأخذ نفسها منها، فإن صليبها لا يحتمل. وإذ نامت رأت في حلم أنها في غرفة مملوءة صلباناً. بعضها كبير والآخر صغير، بعضها أبيض والآخر أسود، وقد وقف بجوارها السيد المسيح الذي تطلّع إليها في حنو وقال لها: لماذا تتذمرين؟ أعطني صليبك الذي هو ثقيل جداً عليك، واختاري لنفسك صليباً من هذه الصلبان التي أمامك، لكي يسندك حتى تجتازي هذه الحياة.
إذ سمعت الأرملة هذه الكلمات قدّمت صليبها بين يدي السيد المسيح، صليب حزنها المرّ، ومدّت يدها لتحمل صليباً صغيراً يبدو أنّه خفيف. لكن ما أن رفعته حتّى وجدته ثقيلاً للغاية. سألت عن هذا الصليب، فأجابها السيد المسيح: هذا صليب شابة أصيبت بالفالج في سن مبكّرة وستظل كسيحة كل أيامها، لا ترى الطبيعة بكل جمالها. ويندر أن يلتقي بها صديق يعينها أو يواسيها.
تعجّبت الأرملة لما سمعته، وسألت السيد المسيح: ولماذا يبدو الصليب صغيراً وخفيفاً؟
أجابها السيد المسيح: لأن صاحبته تتقبله بشكر وتحتمله من أجلي فتجده صغيراً للغاية وخفيفاً.
تحركت الأرملة نحو صليب آخر يبدو أيضاً صغيراً وخفيفاً، لكنها ما أن أمسكت به حتى شعرت كأنه قطعة حديد ملتهبة ناراً. صرخت الأرملة: صليب من هذا يا سيدي؟
أجابها السيد المسيح: إنّه صليب سيدة زوجها رجل شرير للغاية عنيف جداً معها ومع أولادها... لكنها تحتمله وتصلي لأجل خلاص نفسه.
انطلقت نحو صليب ثالث يبدو أيضاً كأنه صغير وخفيف، لكن ما أن لمسته حتى وجدته كقطعة جليد. صرخت: صليب من هذا يا سيدي؟ أجابها: هذا صليب أمّ فقدت أولادها الستة... ومع كل ولد ينتقل ترفع قلبها إليّ تطلب التعزية. وها هي تنتظر خروجها من العالم بفرح لتلتقي معهم في فردوس النعيم!
انطرحت الأرملة أمام مخلّصها وهي تقول: سأحمل صليبي الذي سمحت لي به. لكن، لتحمله أنت معي أيها المصلوب، أنت تحوّل آلامي إلى عذوبة، أنت تحوّل مرارتي إلى حلاوة.
لأحمل معك صليبك بشكر، ولتحمل أنت معي صليبي يا مخلّص نفسي..