إن ابن الإنسان سوف يسلّم إلى أيدي البشر
الكردينال جوزف راتزنغر (البابا بندكتُس السادس عشر)
عظات الصوم 1981، الرقم 3
عندما جلد الجنود الرومان يسوع، وكلّلوه بالشوك وألبسوه ثوب الهوان هازئين، أحضروه أمام بيلاطس. فاضطرب هذا العسكريّ القاسي القلب لدى رؤية هذا الإنسان محطّمًا ومجروحًا. لذا، قدّمه للجموع، داعيًا إيّاهم للشفقة ومعلنًا ما معناه: "ها هوذا الرجل" (يو19: 5). إنّما المعنى باليونانيّة هو بالتحديد: "عاينوا، ها هو الإنسان". متفوِّهًا بهذه الكلمات، أراد بيلاطس متهكِّمًا أن يقول: "نحن نفتخر بأن نكون بشرًا، لكن الآن انظروا إليه، ها هو؛ دودة الأرض، هذا هو الإنسان! ما أحقره، ما أصغره!". في هذه الكلمات الساخرة، استشفَّ الإنجيلي يوحنّا كلامًا نبويًّا نقله إلى المسيحيّين.
نعم، لقد كان بيلاطس على حقّ حين قال: "عاينوا، ها هو الإنسان". فَبِهِ، بيسوع المسيح، نستطيع أن ندرك ماهيّة الإنسان، وما هو مشروع الله، وأيّ معاملة ندّخرها له. في يسوع المضرَّج، يمكننا رؤية كم يمكن للإنسان أن يكون قاسيًا، وحقيرًا ومذلّلاً. فيه نستطيع أن نقرأ قصّة كراهية الإنسان وقصّة الخطيئة. لكن في المسيح، في حبّه الذي يتألّم لأجلنا، يمكننا أيضًا وزيادةً على ذلك رؤية جواب الله: نعم، ها هو الإنسان، الذي أحبّه الله حتّى في حقارته، الذي أحبّه الله حتّى أنّه سار مع الإنسان في ألم الموت النهائي. حتّى في قعر إنحطاطه، يبقى الإنسان مختارًا من الله، وأخ يسوع المسيح، يبقى مدعوًّا أن ينال حصّةً من حبّ الله الأبدي.
يجد السؤال "ما هو الإنسان؟" الجواب في الاقتداء بالمسيح. واضعين خطواتنا في خطواته، نستطيع أن نتعلّم يومًا بعد يوم ما هو الإنسان، ونحن صابرين صبر الحبّ متألّمين مع يسوع المسيح يصير كلٌّ منّا "الإنسان". لذلك، نودّ أن نرفع نظرنا نحو الذي يقدِّمه لنا كلّ من بيلاطس والكنيسة. الإنسان هو يسوع. صلّوا له كي يعلّمنا أن نصير حقيقةً "الإنسان"، ونكون "الإنسان".