الآن تمجد ابن الإنسان وتمجد الله فيه
القدّيس لاوُن الكبير (؟ - نحو 461)، بابا روما وملفان الكنيسة
العظة 58، والعظة السابعة عن الآلام
عندما قالَ الربّ: "الحَقَّ الحَقَّ أقُولُ لَكُم: إنَّ واحِدًا مِنكُم سيُسَلِّمُني!"، كان يُثبتُ أنّه نظرَ في ضمير ذاك الذي كان سيَخونُه. لم يُوجِّه الربّ إلى يهوذا الشرّير إنتقادات قاسية وعلنيّة، لكنّه حاول الوصول إليه من خلال تحذير حنون ومُبطّن: هكذا، يمكن للندم أن يعيدَ إلى الطريق الصواب ذاك الذي لم يُشعرْه الإحتقار بأيّ إذلال.
فلماذا لم تستفدْ من هذه الطيبة، يا يهوذا المسكين؟ ألم ترَ أنّ الربّ مستعدّ لأن يغفرَ لكَ تصرّفك؟ فالمسيح لم يفضحْ أمركَ لأحد، سوى لنفسكَ. كما أنّه لم يذكرْ اسمكَ ولم يكشفْ عن شخصيّتِكَ؛ لكن من خلال كلمة الحقيقة والرحمة هذه، فقد لمسَ سرّ قلبكَ فقط. هو لم يحرمْكَ من شرف موقعكَ كتلميذ له، أو من المشاركة في الأسرار. عُدْ إلى ذاتِكَ، وتخلَّ عن جنونِكَ وأعلِنْ عن توبتِكَ. فإنّ الطيبة تدعوكَ إليها، والخلاص يبحثُ عنكَ وذاك الذي هو الحياة يدعوكَ مجدّدًا إلى الحياة. إسمعْ: إنّ زملاءكَ الأطهار والأبرياء شعروا بالخوف عند الإعلان عن الجريمة، وحيث أنّ مُرتكب هكذا مُعصية بقي مجهولاً، فإنّ كلّ واحد منهم خافَ على نفسه. فغرقوا في الحزن ليس بسبب تأنيب الضمير، بل لأنّ الحيرة البشريّة كانت تُقلقُهم: وكانوا يخشون أن تكون معرفة كلّ واحد منهم بذاته أقل دقّة ممّا كانت تعرفُه الحقيقة. وأنتَ، وسط قلق القدّيسين، تستفيدُ من صبر الربّ، وتعتقد أنّ وقاحتكَ تخفيكَ عنه.
لكن عندما رأى الربّ أنّ تفكير يهوذا بقي مرتكزًا على مشروعه البائس، قالَ له: "ما أنتَ تَعمَلُهُ فَاعمَلْهُ بأكثَرِ سرعَة". وهو بقوله هذا، لم يُعطِه أيّ أمر بل تركَه يتصرّف؛ هو لم يرتجفْ، بل كان حاضرًا. هو الذي يملكُ سلطانًا على جميع الأزمنة، أظهرَ أنّه لا يسعى إلى إيقاف الخائن، وأنّه ينفّذُ مشيئة أبيه السماوي في مشروعه الخلاصي للبشر، حيث أنّه لم يحرِّضْ على الجريمة التي حضّرها أخصامه، ولكنّه في الوقت عينه لم يخشَها.