زوادة شهر شباط 2019 - مع ريمون ناضر "على هذه الصّخرة"
" على هذه الصخرة "
لمشاهدة الفيديو: https://youtu.be/z-sXcEwyZGM
إنّ مفهوم الكنيسة الحقيقي مُلتبس عند معظم النّاس فمِنهم مَن يَعتبرها مؤسّسة خيريّة هدفها فقط المساعدات الإجتماعيّة أو الإصلاح الإجتماعي وآخرون يعتبرونها تنظيماً هَرَميّاً، على رأسه البابا والبطاركة والكرادلة والأساقفة، ويَخلطون بين الكنيسة كشعب الله والإكليروس، إذ يَعتبرون أنّ الكنيسة هي الإكليروس وكثير مِن المفاهيم الخاطئة لدور الكنيسة وكيانها.
ما هي الكنيسة إذاً؟ لنَعُد إلى سِفر التكوين وبداية الخلق، لقد خلقَ الله الإنسان ليكون معه في حياة أبديّة مقدّسة معهُ في ملكوته. وقد سقط الإنسان بالخطيئة وانفصل عن الله. ولكن الله بقيَ يَسعى خلفه ليُعيدهُ إليه.
أوّل سؤال في الكتاب المقدّس هوَ: آدم أين أنتَ؟ والسؤال الثاني كانَ لقايين: أينَ أخوكَ؟. فالله ضَنين على علاقته بالإنسان وعلاقة الإنسان بأخيهِ. ومِن هنا الوصيّتين الذهبيّتين: أحبِب الربّ إلهك وأحبِب قريبكَ كنفسك. ومنذ السقوط والله يسعى وراء الإنسان ليُعيدهُ إلى جنّتهِ.
فمِن بين جميع شعوب الأرض، إختار شعباً ليَنطلق منهُ لخلاص البشر. دَعاه بواسطة أبرام، نظّمه بواسطة موسى وأعطاه شريعة، أدارهُ بواسطة القُضاة والملوك، كلّمهم ونبّههم وعلّمهم وأنذرهم وأحبّهم من خلال الأنبياء، وقد دَعاهم شعبه وجعلهم أمّةً مقدّسة، شعباً كهنوتيّاً. سمّى الله شعبه بالعبريّة "كاهال" أي الله اختار (المختارون) وباليونانيّة Ecclesia من Ek-Kala’o أي "يدعو من" أو مكان الدعوة أو المناداة.
وفي مِلء الزمن تجسّد المسيح آخذاً طبيعة البشر لتتميم مشروع الله الخلاصي. وإكمال مسيرة شعب الله، قال لبطرس: "على هذه الصخرة أبني بيعتي" أي شعبي أو "كاهالي" أنا. إرتبط المسيح بشعبه بدمه، دم العهد الجديد، لم يكن إرتباطه بشعبه بالشريعة والقانون بلّ بالحُبّ الإلهي: بجسده ودمه الذي قدّمه في عشاء الفصح وموته على الصليب. فكانت ولادة شعب الله الجديد "كاهال" العهد الجديد الذي بهِ خلاص العالم ومنه يدعو المسيح العالم كلّه للخلاص ومنه يناديEcclesia كلّ إنسان للخلاص.
الكنيسة إذاً هي إمتداد جسد المسيح. هي جسد المسيح السرّي في هذا العالم. لذلك نقول: نؤمن بكنيسة واحدة، جامعة، مقدّسة، رسوليّة.
الإيمان هو فقط بالله: نؤمن بإله واحد، آب، إبن، روح قدس وأيضاً نؤمن بكنيسة، لأنّ الكنيسة هي المسيح. شعب الله الجديد.
وقد قال يسوع: أنا الكرمة وأنتم الأغصان. فنحن نُكوّن جسد المسيح. كلّ واحدٍ منّا نحن المعمّدين بالمسيح، هو غصن في هذه الكرمة، يَثبُت فيها ويَثمر فيها ومِنها يدعو للخلاص، يَسري فينا نفس الدمّ ونتّحد كلّنا برباط الروح القدس والآب هوَ الكرّام.
الإفخارستيّا هي رباط الوحدة في الكنيسة التي تحيا من عشاء الربّ الواحد، ودور البابا والسلطة الكنسيّة هوَ أن يضمن هذا الرباط.
أراد الله أن يُوحّد البشر أجمعين بالمحبّة، أي توسيع الثالوث ليَشمل جميع البشر ويكونوا جميعهم أعضاء بعضهم لِبعض بجسدٍ واحدٍ رأسه المسيح. فالمسيح هوَ رأس الكنيسة وهيَ جسده.
الكنيسة تُشكّل رباطاً سرّياً بين الخاطئ والقدّيس. أنا الخاطئ أرتبط بالقدّيسين في الكنيسة. الخاطئ يَمدّ يدهُ للقدّيس والقدّيس يُعطي يدهُ للخاطئ، فيَرتفع المؤمنون بسلسلة واحدة مترابطة نحوَ السّماء.
كلّ عضو في الكنيسة يدخل في علاقة حُبّ وشركة مع الله ومع أخيه الإنسان. فيكون حارسًا لأخيهِ، ويَستمدّ محبّتهُ مِن الحُبّ الإلهي.
إنّ الله قد شاء أن يَجمع كلّ شيء بالمسيح (أفسس 1 / 10) والكنيسة لا يُمكن أن تهدأ إلّا إذا أصبح العالم كلّه هوَ الكنيسة فهيَ الخميرة وحَبّة الخردل والشبكة في بحرِ هذا العالم تتخطّى كلّ الحدود وتُحطّم كلّ الحواجز والعوائق.
هيَ العلّيّة التي توسّعت على وِسعِ الأرض وهيَ البُشرى السارّة للجميع بالخلاص والعودة إلى حضن الآب.
مُرسَلون فتحوا العالم بأسرِه بسِرّ محبّة المسيح بغِيرتِهم واندفاعِهم حتّى الإستشهاد.
أنتَ في الكنيسة غصن في كرمة المسيح، أنتَ جَمرة تشتعل بمحبّته وبروحه وعلينا جميعاً أن نُشعل الأرض بالنّار التي يَشتهي المسيح أن تشتعل في البشريّة جمعاء.
صلاة:" يا يسوعي الحبيب، أتوسّل إليكَ من أجل الكنيسة بأسرِها، إجعلها تشترك في حُبّك وبإلهامات روحك القدّوس حتّى تنتصر على أعدائها المنظورين وغير المنظورين.
(القديسة فوستينا)