عمل الروح القدس - مع الأب (المرحوم) سيمون الزند
الجمعة - عنايا 26/1/2011
عيلة مار شربل - الأب (المرحوم) سيمون الزند
الموضوع: "عمل الروح القدس".
(ملاحظة: هذه المواضيع دوّنت من ملاحظات ومن التسجيل الصوتي لهذا هي اقرب الى اللغة العامية).
المجد لله،
إن ارتداد بولس هو ثمرة الروح القدس، ونذكر هنا أن الكنيسة سمّت القديس افرام السرياني كنارة الروح القدس لأنه عرف كيف يتكلم عن الربّ وكيف يسبّح اسمه لأن الروح كان يعمل فيه.
في خبر العنصرة كما يرد في الإنجيل، لمّا حلّ الروح القدس على التلاميذ وأخذوا يتكلمون بلغات عدة، وإنّ الذين شهدوا هذا الحدث اعتبروهم سكارى. وقد ردّ عليهم بطرس: ليس هؤلاء بسكارى.
لكن أنا أقول أنه يجب برأيي أن يردّ: ليس هؤلاء بسكارى كما اعتدتم أن تسكروا من خمر هذا العالم وإنما امتلأوا روحاً بدل الخمر وسكروا من نشوة الحبّ الفائض مواهب والمتجلي ثمار ويا ليتكم تشاركونهم السكرة فهي الوحيدة التي ما بعدها فكرة إلا في انفتاح العين على أنوار المجد الأبدي.
الروح القدس هو بطل اللعبة الذي يصعب التكلم عنه. في العيلة الثالوثية يوجد للآب مقابل على الأرض ولو أنّه مليء بالنواقص. فعندما أنادي أبي يُجيبني أبي في البيت وأبي في السماء.
عندما نتكلم عن الابن ونصادف من يتكلم عن ابنه فنعلم ما هو الابن. ولكن عندما نذكر الروح كيف نجد له تجسيد إلاّ من خلال عمله. إذاً نحن نستطيع من العمل والثمار أن نُدرك أذا كان الروح حاضر أو غائب.
يقول يوحنا، الروح مثل الريح لا أحد يدري أين يهبّ ومن أين يأتي وإلى أين يذهب. ولكننا نشعر بوجوده ونشعر بغيابه.
رموز الروح في الكتاب المقدس تعرفونها. أريد أن أربط بينها وبين حياتنا أي عمل الروح فينا أكثر من التكلم عن الروح القدس العقيدة.
عمل الروح فينا لا نستطيع ان نخطئ بشأنه لأنه المعيوش. له رموز مثل الماء والنار والريح والثلاثة لها علاقة بحياتنا الروحيّة اليومية. الذي يجمع بين تلك الرموز هوَ أنّه ليس للماء أو النار أو الريح شكل محدّد. الماء تأخذ شكل الوعاء الذي تحتويه، الأوعية متعددة والمضمون واحد؛ هذا هو عمل الروح كل واحد منا مختلف عن الأخر ولكن الروح الساكن فينا هو الذي يوزع مواهبه بالشكل الذي يجمّل أكثر الوعاء الذي يحتويه. حتى كل مَن ينظر إلى الوعاء يسبّح الربّ من خلاله. يأخذ الروح الشكل المتوفر والمساحة المتوفرة علما بأن كلّ واحد من هذه الرموز، الماء، الريح والنار لها ميزات خاصّة، ومن خلال التأمل بهذه الميزات نعرف عمل الروح فينا.
لأن ليس للروح شكل، وهوَ غير مرتبط بالمادة، هذا يفسر عمله من الداخل. الروح يعمل حيث ليس هناك مادة فينا أي عندما نتكلم عن حياتنا الروحية. لكن هذا الشيء الذي يتخمر في الداخل ينعكس ثماراً وصورة إلى الخارج.
القديس بولس يقول لست أنا الحيّ بل المسيح هو حيٌّ فيّ. أنا لا أستطيع أن أحتوي المسيح بحجمه الكبير بل روح المسيح هيَ التي تُحييني لأقتدي به. ولا يجب أن نفصل بين المسيح وروحه لأنها عطيّة منه هوَ الذي نفخَ على التلاميذ في يوم العنصرة وقال لهم في يوم القيامة (يوحنا الفصل 20)، خذوا الروح القدس مَن غفرتم لهُ… غفرتُ له.
هذا الروح هو روح المسيح. لذلك اذا كان روح يسوع يسكن فيَّ، يصبح يسوع ساكن فيَّ وأصبح شبيها له.
إنّ حلول الروح القدس علينا يتجسّد بالمعمودية. ففي المعمودية يسكن فينا ونصبح هياكل له وكما كان يسوع ممتلئا من الروح القدس أمتلئُ أنا أيضا وأعمل الأعمال التي يعملها الإبن وأعظم منها. يشدّ فينا الإبن وروح الابن، والآب لا يرفض طلباً لابنه لأنه وعدنا بذلك، ولكن، يجب أن نؤمن.
يسوع عمِلَ بهديِ الروح القدس وبقوة الروح ولم ينفصل عنه لحظة واحدة؛ قادَهُ الروح إلى الصحراء فجُرِّبَ وعاد إلى المجمع ليقول روحُ الربّ عليَّ مَسَحَني وأرسَلَني، كما أنّه طرد الشياطين بالروح القدس. وهو يتصل بالآب بالروح. لذلك هذه الحياة التي عاشها يسوع هيّ بهديِ الروح وهو ممتلىء منه، وهوَ يعطينا إياه كي نكمّل بذات الخطّ. الخلَف يعمل بذات روح السلَف.
نحن نعمل بذات الروح أي بذات الهديِ والأفكار التي كان يعمل بها مؤسّسنا يسوع. نحن نعمل حرفيا وللعمق بذات روح يسوع، هذا الروح القدس الذي نناله في المعمودية. الروح الذي يحلّ فينا والذي يحوّلنا.
كان الروح القدس محصورا بيسوع، ويوم العنصرة أعطى يسوع روحه للكنيسة لكي كل من يؤمن باسمه يعمل الأعمال الذي يعملها.
الروح هو لي وساكن فيَّ وهوَ حيّ.
وهنا يجب أن نميّز بين الروح والنفس والضمير.
أنّ المسيحي والغير المسيحيي يشترك بالضمير. هذا صوت الربّ فينا. الضمير هو قوّة التمييز الذي يفصل بين الخير والشرّ.
النفس هيَ مخلوقة من قبل الله وليست مادية بل روحية. انا أُخلَق بنفس بشريّة ولكن الله خلقها وهي مدعوّة إلى العودة إليه، الروح القدس هوَ الله وهوَ غير مخلوق، فعندما يدخل فيَّ الروح القدس يصبح عندي قوّة التقديس. إذا كان الضمير قوة التمييز فإن الروح هوَ قدرة التقديس. الروح القدس يشمل كل العناصر، يدخل على الجسد فيقدّسه ويدخل على النفس فيقدّسها ويدخل على الضمير فينيره ويجمع الكل في واحد. الروح القدس هوَ الذي يوحّدنا، ولا يوحّدنا فقط كجماعة بل يوَحّد أيضاً كلّ القدرات التي فينا، وهي مشتّتة بكل واحد منّا، فإن لم يدخل الروح القدس ويجعلني واحدا لا أقدر أن اشهَد لمَن هوَ واحد.
اذاً الجسد يشدّني إلى الأسفل والنفس تشدّني إلى مكان آخر وضميري ضائع، الروح يأتي ليطهّر ويجمع فيما بينهم.
رمز الريح: نستعمله للنفس. فإذا انقطع الهواء انقطع النفَس ومات الإنسان. الحياة مرتبطة بالنفس. وعندما أتكلم عن الحياة أتكلم عن الروح القدس كدفاع وكفاعل أساسي بصلاتي وبقراءتي للكتاب المقدس.
سأل فيلبس خادم ملكة الحبشة: هل تفهم ماذا تقرأ؟ أجابه: كيف لي أن أفهم إن لم يشرح لي أحد.
المرة الأولى شرح له فيلبس وعندما فَهِمَ عن الروح القدس صار يفهم بوحيٍ منه.
تلميذي عماوس عندما فتح يسوع أعينهم وأعطاهم هذه العطيّة فتحت أذهانهم ليفهموا الكتب.
هذا هو روح الفهم وروح المعرفة. الروح هو الذي يجعلني أفهم وأصلي. يقول مار بولس: الروح يصلي فيكم بأنات لا توصف. هو الذي يصرخ فينا "أبا أيها الآب" (روح البنوة). يدعونا بولس: دعوا الروح يملأُكم وأتلوا معاً المزامير والتسابيح والأناشيد الروحية. رتّلوا وسبّحوا الربّ في قلوبكم واشكروا الله الآب كلّ حين على كلّ شيء باسم ربّنا يسوع المسيح. دعوا الروح يملأكم.
فاذا امتلأنا من الروح نستطيع أن نصلي وأن نشارك في القداس. في الليتورجيا، لحظة حلول الروح القدس في القداس مهمّة جدّا ومشغولة بدقة. وكأننا ننتظر هذه اللحظة عندما نقول "استجبنا يا رب استجبنا يا رب". في هذه اللحظة يشعر بها الكاهن أنه أقوى من أي مخلوق لأنه، وبالرغم من كلّ محدوديته، يطلب من الروح القدس الحلول على القربان وتحويله إلى جسد ودم الربّ على المذبح كما أن يحوّل العالم إلى كنيسة الرب، وإلى جسد الربّ السرّي. بكلمة منا يتدخّل الروح، ونقول "ما أرهبها هذه الساعة".
الروح النار: رمز النار أربطه مع الجهاد الروحي.
نحن نحمل جسدَ ضعف، الجسد بطبيعته جيّد، الله لم يخلقه عاطل. ولكن تسوء حالُه عندما يدخل بمنافسة مع الروح.
يجب أن أستعمل جسدي وأكرمه ولكن يجب أن أدعه يعبُد مَن هوَ روح أي ما يتخطّى الجسد.
لا يجب أن أعمل من جسدي غاية عبادتي أي في الفرنسية Idolâtrie أي عبادة الأشياء. تسوء حالة الجسد عندما يتحوّل إلى مركز للعبادة. مار بولس يقول: اسلكوا سبيل الروح ولا تقضوا شهوة الجسد لأن الجسد يشتهي ما يخالف الروح والروح يشتهي ما يخالف الجسد. كلاهما يقاوم الآخر حتى أنكم تعملون ما لا تريدون.
لذلك فإن رمز النار للروح هو التطهير. النار تحرق فتطهّر. وليس هناك مجال للمساومة. إذاً هناك فيَّ عواطف متناقضة يجب أن أحرق واحدة وأترك الأخرى. لا أستطيع أن أترك الاثنين. الذي يقول لك افعل ما تشاء في أيام الأسبوع والأحد اعترف عند الكاهن، فهكذا تضع خلال الأسبوع قناع الجسد وأعمال هذا العالم والأحد للروح وأعمال الرب. لا!! يقول الربّ يسوع، جئت لألقي على الأرض ناراً. وهذه النار هي نار الروح الذي يجب أن تُحرق كي تطهر. الروح القدس سيواجه العالم والعالم لا يطيق سماعه لأنه يكشف كذبه ويظهر الحقّ. وكذلك كلّ واحد منا، الروح سيواجهه ويظهر كذبه ويحرق هذا الكذب. وفي نفس الوقت النار تحرق لتطهّر وتُضرم المحبّة فتغزّي الرجاء، فنتقدّم مِن التوبة في خُطى ثابتة متّكلين على عمل الربّ.
وفي ذات الوقت، فإنّ الذي يُحرق الأمور الغير جيدة يُجوهر الأمور الجيّدة، مثل الذهب الذي يمرّ بكور النار حتى يتنقّى ويتطّهر. فتُصبح التوبة ذهب صافي.
هذه العملية التي يكرّرها فيَّ الروح النار هيَ التي توصلُني إلى ملء الحريّة. تعرفون الحقّ والحقّ يحرّركم وحيث يكون روح الله فهناك الحريّة.
ليس هناك حركات تحرّرية توصل إلى الحريّة من دونِ قداسة أو من دون روح الله. الكاهن المرحوم إتيان صقر، كان يقول في إحدى محاضراته الفلسفيّة: كان الشيوعيّون ينتقدون الرأسمالية بقولهم: الرأسمالية
C’est l’exploitation de l’homme par l’homme chez nous c’est le contraire
الحرية الحقيقية هي التي يعطيها الرب بواسطة روحه.
بولس كان في السجن في روما وكتب إلى أهل فيليبّي وكأنه حرّ أكثر من كثيرين في الخارج.
روح الماء: نستعمل الماء للريّ. فالمكان الذي فيه ماء فيه ثمر. لذلك إذا كنّا بالريح أعطينا الحياة، فبالنار هناك تطهير وتنقية، وبالماء هناك الثمر.
يعمل الروح في جوانب عديدة، الثمر يأتي نتيجة طبيعية لعمل المزارع وعمل النعمة. عندما تكون الطبيعة ملائمة والتربة جيدة. شحّلنا ونقّينا وروينا، ننتظر، وخاصة عندما ننتظر تأتي ثمار الروح.
تفرَح العين ويتغذّى الجسد وتتعزّى الروح. وتظهر هذه الأشياء.
ونحن نعرف ثمار الروح هناك لائحة بها وليس هناك مجال للغلط.
ثمار الروح: المحبة والفرح والسلام والصبر والوداعة والأناة والإيمان.
هذه الأمور تُرى، لا أرى الروح ولكن إن رأيتك تحبّ، أو رأيتُكَ صبوراً أو متسامحاً، فلا بدّ من أن أعترف لكَ بأنَّ روح الله فيك. وأنّك تَدعه يعمل كي يظهر من خلالك.
كيف أعيق عمل الروح في؟ أعيق عمله بالتجديف عليه.
يقول يسوع إنّ الذي يجدف على إبن الإنسان يُغفَر لهُ والذي يجدّف على الروح لن يُغفَر له. لماذا؟
يسوع المسيح أتى الإنسانية بالضعف ويقول لربما الإنسان أمام ضعفي يتشكك أو لا يتعرف عليَّ أو لا يقبلني بضعفي. وغفر للذين صلبوه قائلا: يا أبتي اغفر لهم لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.
أمّا الروح القدس فهو صوت الله، هو الله الذي يلمُس القلب والذي يُرشد إلى ملء الحقيقة من دون أي مجال للغلط. مثل الضوء الذي لا يطفئ. اذا كنت ترى النور أمامك وتصّر بكل عين وقحة بأن هناك عتمة. فهذا ما يسمونه التجديف. الأمور واضحة أمامك وأنت تسأل أين الحقيقة وتتنكر لها. وأكثر من التنكر للحقيقة تعنّد بخطيئتك. لا ترفض فقط الحقيقة بل ترفض الدعوة إلى التوبة الآتية من قبل الروح.
هذا هو عمل التجديف على الروح القدس.
يقول الربّ يسوع في إنجيل متى فصل 12، هذه الخطيئة لا تُغفر لا في هذا الزمان ولا في الدهر الآتي. وهذه الجملة تلفت نظرنا إلى شيء مهم بأنه يمكن أن يكون هناك خطايا تغفر في الدهر الآتي.
هذه نقطة إيمان تتعلق بالمغفرة.
التجديف على الروح يكمُن في العناد. في مََثل الانجيل، الأب الذي أرسل ولديه للعمل في الكرم الأول أجابه بنعم ولم يذهب والثاني أجاب بكلا ثم ذهب. من عمل مشيئة الأب؟ الثاني الذي ألهمه الروح ورأى أين الحقيقة وعمل بحسب هذه الحقيقة التي أرشده إليها وأصغى لها.
إنّ التجديف على الروح القدس هو في هذه الحياة رفض الانقياد إلى روح الله. لذلك الذي قرّر بملء إرادته أن يكون بعيدا وأن لا يعمل أعمال الآب ولا يأتي إلى الآب، كيف يستطيع أن يكون بقربه في الأبدية. ليس الربّ الذي لا يغفر لي هذه الخطيئة في الأبدية بل أنا الذي اخترت أن لا أكون مع الله لألني رفضت مندوبَ وسفيرَ الله فيَّ. حضور الله في حضور الروح القدس، أنا طردته كما أنّي قلتُ له لا اريدك لا في هذه الحياة وحكما لا في الحياة الأخرى. بملء وعيي وإرادتي قررت بأني لا أريده. ولذلك لا يمكن أن يَفرض الله نفسه عليَّ لا في هذه الحياة ولا في الاخرى.
هوَ يسمح لي أن أطرد روحه وأتنكر وأتكبر عليه على مسؤوليتي وهناك لا يفرض عليّ شيء.
نحن نردد دائما هذه العبارة: الذي خلقك من دون إرادتك لا يخلصّك إلاّ بملء إرادتك. آمين.