"العيلة" مع ريمون ناضر - حزيران 2014
في شهر قلب يسوع الفادي نعود لنلتقي ونواكب سنة العيلة التي قرّرها مجلس الكنائس، نلاحظ أن القديس البابا يوحنا بولس الثاني ألقى حوالي 295 عظة عن العيلة وأعطى للعيلة أهمية كبرى.
في عالم اليوم نعاني أزمة ومحنة عالمية عائلية. في أوروبا والعالم الغربي، العائلة لا تدوم وعدد الولادات إلى إنخفاض، وفي نفس الوقت تُشَرّع ظواهر الشواذ وزواج المثليين. إذاً هناك أزمة بمفهوم العيلة. عائلاتنا اليوم مهدّدة وملفات المحاكم والمشاكل إلى إزدياد.
ما هو عمق المشكلة:
العيلة هي المكان الحميم، الحسّاس، الذي إن كان مفككًا أو مدمرًا كان كارثة لأن العيلة هي الملجأ، وإن كان الملجأ خرابًا فيا لهُ من خراب. إن واجهَ الإنسان مشاكل وجراح، إلى مَن يلجأ إن كانت عائلته هي الجرح؟.
الله أسّس وأرادَ العيلة، وإلا كان بإستطاعته أن يجعل الانسان يتناسل بطرق أخرى، بطرق عامودية، دون الارتباط في عيلة. أراد الله أن تتكوّن البشرية من رجل وامرأة.
يبدأ الإنسان بأخذ صورة الله في العيلة، وإذا تشوّهت صورة الإنسان يشوّه صورة الله. إذاً من عيلة صحيحة نصل إلى بشرية صحيحة، ومن عيلة مفكّكة نصل إلى بشرية مفكّكة، ولهذا حرب الشرير على العيلة، هو يَعلَم أنّه بتخريب العيلة يُخرّب البشرية.
بين رجل وامرأة يحصل لقاء، يقرّران أن يلتزما. وفي مسيرتهما يتفاجآن بأمور كثيرة لم يكتشفاها قبل الزواج. سرّ الزواج هو سرّ إلهي، وليس عقداً يزول. ومن المهم أن نفهم هذا الواقع بجديّة كبيرة، سرّ العيلة سرّ رائع لأنه هناك تتجلّى صورة المحبّة الإلهية وهناك تبدأ مسيرة قداستك.
نحن بطبيعتنا أشخاص مجروحون، مفجّمون، لا أحدٌ منّا سالم سليم. كلّ واحد أكَلَ نصيبه من الجراح من اليوم الذي أتى فيه إلى هذا العالم. فعندما يلتقي شاب وصبية، عمليّاً يلتقي جرحٌ بجرح آخر. في اللقاءات اليومية العملية خارج الزواج هذه الجراح مُسَتّرة، مخفيّة، لا أحد يكشفها. لكن في الزواج تنكشف كل الجراح. وهذه الجراح تملأ الإنسان منذ طفولته. فعلى سبيل المثال، الطفل الأول في بيته مَلك والجميع في خدمته، ولكن عندما يأتي الولد الثاني، يبدأ في مشاركة أحد في مملكته، وتنتقل المحورية منه إلى أحد آخر. فهذا يكون أول عمل تضحية يقوم به، وهذا جرح. وهذه الشراكة هي أروع ما يتعلّمه الإنسان في الحياة، ففي العيلة يُدرك الإنسان الآخر، لا يعود هوَ المحور، يطلع من قبر الأنا لقيامة النحنُ. يطلع من جحيم القبر الذاتي لقيامة وأنوار الشراكة. لا يعيش الإنسان حُبّ الله ولا ينفتح على سرّ الله إلاّ بالعيلة عندما يطلع من ذاته بإتجاه الآخر. ومن العيلة إلى البشرية.
وتُتابع مسيرة الإنسان من البيت إلى المدرسة إلى المجتمع، وفي كل مكان تزيد جراحه، ويبدأ بفهم سرّ الصليب. ومع جراحه‘ أو يقرأ هذا السرّ بطريقة صحيحة وفي قلب عيلته الصحيحة ويَصِل إلى القيامة والنور، أو تخلق مشاكل وجراح وموت.
إذاً في الزواج يلتقي جرحان، وكل خلاف يصير سببه جرحٌ أحمله في داخلي. في الزواج نعيش حقيقة سرّ تجسّد وموت وقيامة الربّ يسوع. بدون سرّ الصليب نضيع. في الزواج التقى إثنان، فُتِحَت الجراح ألقِيَ جرحٌ على آخر، ومعاً يجب أن يعيش الزوجان مسيرة شفاء، لا مسيرة تفجيم.
في عيالنا أكثر ما يدمّر هو التعيير، عند الخلاف نَصِف الشريك بصفات جَرَحتْهُ، ونشبّههُ بمَن عانى منهُ وسبّبَ لهُ الجراح. هكذا نزيد الجراح ونطعن يسوع في قلبه. شريكنا هوَ لنحبّه ونُحبّ جراحه، لا نقدر أن نرفض شيئًا كوّنه.
أفضل مِثال لنا هو يسوع والكنيسة. يسوع صار عريس الكنيسة، أخذها بجراحها، بخطيئتها أخذها ليشفيها.
وفي العائلة نُشرِك جراحنا بجراح يسوع، بسرّ الصليب، لنْ نُشفى أبدًا بدون سرّ موت وقيامة يسوع.
الزواج ليس عملاً سطحيّا، سخيفًا، قائمًا على الأشكال الخارجيّة. الزواج سرٌّ مسيحيّ، في الزواج أنا أتعهّد الشخص الآخر كلّه بكلّ جراحه.
يسوع أتى يشفي الإنسان من جراحه وخطيئته، ومشوارنا نحنُ مع بَعض لا لنزيد هذه الجراح بل لنعمل كما عمل يسوع. جراحنا بالحُبّ نشفيها. جرح شريكنا يصير جرحنا، نسير معًا بسرّ الصليب بعملية الشفاء. الحُبّ الزوجي صورة عن الحبّ الإلهي لا يبطل عند بطلان الشكل الحسن ولا يُبطل عند بطلان الصحّة، الحُبّ الزوجي حُبّ أبدي، شراكة بالجراح، موت وقيامة.
والجراح تأتي من الخطيئة، لا أحد يظن أنه إن خطئ لا ينجرح. أو يأتي من خطيئتي، أو من خطيئة أحدٌ بحقّي. والحل: إن أخطأت الحلّ هو التوبة، وإن خطئَ أحدٌ إليَّ الحلّ هوَ المغفرة.
مسيرتي إذاً هي مسيرة توبة وغفران.
هذه هي مسيرة الشفاء التي نعيشها في العيلة. هناك نتعلّم الشراكة، نتعلّم كيف نغفر، كيف نتوب، هناك نتعلّم كيف نأخذ صورة الله، هناك نفهم سرّ الله، سرّ موت وقيامة يسوع ليشفينا، وبدون هذا السرّ أنا ضائع.
لا تبحثوا عن الشفاء خارج يسوع. يسوع يعلّمنا أن نُحبّ الجرح، هو المصلوب أعطى معنىً آخر للجراح، معه على الصليب أنظر إلى شريكي، أقبَله بتاريخه بجراحه، وأسير معه مسيرة الشفاء.
في البيت أتّحد وشريكي: "أنا" يتّحد ب "أنا" ليصيروا "نحنُ"، وهذا "النحنُ" يكون "أنا". شريكي الذي عرفته وكوَّنَتْهُ جراحه هوَ الذي أحببته كما هوَ. لا أقبله اليوم وأرفضه غدًا أو أحاول أن أُقَولِبَه على مزاجي.
يسوع وجراح يسوع تقرّبنا بعضنا من بعض، بدون يسوع الإنسان أعمى ويتحوّل إلى أكبر مؤذٍ لشريكه.
الشرير اليوم يعمل جاهداً ليُخرّب العائلات وفي أغلب الأحيان تبدأ الخلافات لأسباب تافهة، تبدأ بجرح صغير يفتح جروحات كبيرة وتشوّه الزواج والإنسان الغشيم يقع في الفخ.
نعود اليوم نبدأ من جديد ننظر إلى شريكنا، سرّ الصليب هوَ الذي يجمعنا. من هنا أنطلق من جديد في العيلة ومن العيلة إلى مجتمع أفضل وبشرية أفضل. في العيلة نتمرّن على الحبّ الحقيقي فخارج العيلة الحبّ نظريات.
عندما يَقدم الإنسان على سرّ بهذا الحجم من المهم أن يتعهّد الآخر أمام الله، ويلتزم هذا الآخر بكل جراحِه ومعًا يسيرَان ويتعاونان بجراح يسوع ليشفَوا. في السراء والضراء. نقبل الآخر بكل الجراح الذي اكتشفتها والتي سأكتشفها لاحقًا ومن الممكن أن الآخر أيضًا لا يعرف عِقَدهُ وجراحَه. وأجمل فرح في الحياة هو فرح الشفاء.
عندما يُشفى حبيبُكَ تُشفى أنتَ. البيت، العيلة هو مكان الفرح والراحة. لا يجب أن نحوّله إلى مكان توتّر وقلق. كلّ مشكلة في البيت تنعكس سلبيًّا على الأولاد، تسبّب لهم جراحًا.
إن كان البيت بيئة إشتباك وحُزن سيَفقد الأولاد الأمان والعاطفة ويذهبوا ليفتشوا عنها في مكان آخر. وهنا تقع المصائب.
القديس شربل قال هذه الكلمة الرائعة: "حافظو على دفء العيلة لأن دفء العالم كلّو ما بيقدر يعوّضه." ولهذا عند تفكّك العيلة تلتجئ شبيبتنا إلى المخدرات والكحول لأنهم فقدوا الدفء في بيوتهم.
العيلة سرّ نعيشه كما يريده الربّ، والمصلوب محور العيلة، فيها تتمثل صورة موت يسوع وقيامته. العيلة مركز للقيامة. من قلب العيلة نشهد ليكبر محيطنا ويشعّ عِيَل سليمة.
في شهر قلب يسوع نصلّي ونتأمّل في قلب يسوع الفادي الوديع والمتواضع ونسعى لنصير على صورته. لا نكتفي بترداد المسابح والعبادات دون تأمل وجهد للتحول.
المقصد:
نظري: أكتب على ورقة التحديات التي تواجه العيلة اليوم، ومقابلها الحلول بنظرك. فكّر من خبرات شخصية واكتب.
عملي: كل زوجين الليلة يغسل الواحد أرجل الآخر ويقبّلها. لغير المتزوج عمل هذا في البيت مع الإخوة، مع الأهل أو مع أي شخص آخر.
هذا يجب أن تعملوه... إن كنتم تأخذون سرّ الصليب بجديّة...