"العائلة" مع الخوري أنطوان بشعلاني - تشرين الثاني 2014
نتابع مواضيع تبحث بأمور العائلة، واليوم نضع إصبعنا على جرح يفكّك العائلات. نبدأ بتحديد رائع للقانون الكنسي لمفهوم الزواج الذي ثمرته العيلة، الرقم 776 البند الأول يقول: عهد الزواج الذي صنعه الخالق ونظّمه بشرائعه، والذي به ينشىء الرجل والمرأة برضى شخصيّ، لا نكوص (أي لا تراجع) فيه، شركة في الحياة كلها، من طبيعته أن يهدف إلى خير الزوجين وإلى إنجاب البنين وتنشئتهم.
الزواج هوَ عهد، فالعائلة إذاً هي مشروع الله المقدّس، الزواج هو من صنع الله وهو إذاً سماوي بصورة أرضية بشرية. هو شراكة، إذاً هو صورة الله: آب، إبن وروح قدس.
الزواج هو عمليّة رضى وحرّية كاملة وعهد أبدي ووعد لا رجوع عنه، يقوم على شراكة في الحياة كلّها، وللعمر كلّه.
هذا العهد صنعه الله ويهدف إلى خير الزوجين وإنجاب البنين.
سرّ الزواج الذي رقّاه السيّد المسيح إلى مقام الأسرار هو عهد وارتباط أبديّ على صورة الثالوث.
إنّ هذا السرّ العظيم هوَ سرّ المسيح والكنيسة. كما أحبّنا المسيح هكذا يسألنا أن نحبّ بعضنا بعضًا.
الزواج إذاً هو عهد مقدّس، صنعه الخالق منذ بدء التاريخ. "لنصنع الإنسان على صورتنا... ذكراً وأنثى خلقهما"... والقديس البابا يوحنّا بولس الثاني قال: "لا تكتمل صورة الله بالانسان إلاّ بإتّحاد الرجل والمرأة".
إذاً القانون يشدّد على خير الزوجين، وليس فقط إنجاب البنين لكن تنشئتهم.
وهذه التنشئة مهمّة بنوعيّتها. العائلة اليوم تواجه تحديات كثيرة. تحدّي نوعية الحبّ. هل حُبّ اليوم هو حقيقةً حُبّ، ومَن يُحدّد ما هو الحُبّ؟ فالحبّ ليس مشاعر وعواطف، الحبّ هو يسوع المسيح... الله هو الحُبّ. في عيالنا اليوم، هل نعيش هذا الحب الذي إسمه يسوع المسيح؟
اليوم يسوع هو صخرة حياتنا وعيالنا، إن ثبُتنا به، نُثبّت كلّ مَن حولنا. نوعية حياتنا تعكس نوعية محبّتنا ليسوع، فإن لم تتطابق أقوالنا وأعمالنا نتحول لسبب عثرة.
يسوع أمين في كلّ وقت، حتى لو أنكرناه سيظل أميناً لا ينكر ذاته، وذاته هوَ الإنسان.
فأين هوَ الله في بيتنا؟ هل نصلّي في بيوتنا؟ هل أنا رسول في مجتمعي؟ هل نعرف أننا نحن الأهل القربان في عائلاتنا؟ هل نحن علامة حضور الثالوث في عيالنا؟.
الحبّ الذي لا يُتَرجَم إلى واقع لا يكون حُبّاً. واليوم، الملتزمون يحارَبون في العالم وأحيانًا من أقرب المقربّين إليهم.
في جماعتنا وكنيستنا، إلتزامنا هوَ نعمة، وهذه النعمة نُجاهد بها لنحمل فرح يسوع للآخرين، نشهد بالحب لإيماننا. إذاً نوعيّة الحبّ في أيامنا بحاجة لإعادة نظر. بحاجة ليكون إلتزام واع ٍ ناتج عن إرادة ليكون الربّ فعلاً حاضر.
فلنتوقف ونعود لنحدّد أولويّاتنا ونوعية إلتزامنا بيسوع المسيح.
إذاً نوعيّة الحبّ اليوم تحدّي كبير في عائلاتنا.
وبسبب النقص في نوعية الحبّ تمتلئ اليوم المحاكم بالخلافات والوجع، والربّ مهجّر من بيوتنا.
تحدٍّ آخر يواجه عائلاتنا اليوم وهو نوعية الشراكة. فاليوم بدأنا نفقد مفهوم التضحية.
فالشراكة في العالم عادةً تهدف للربح، لكن في قلب العائلة الشراكة هدفها الآخر. إنْ خسرتُ الآخر خسرتُ كلّ شيء. الربّ يسوع أحبّنا وهذه المحبّة تجلّت أولًا بالتجسّد، نزل وقَبِلَ أن يأخذ صورَتنا.
وبالزواج نتبنّى الآخر كما هوَ، لا نتخلّى عن بعضنا البعض عند الشدّة والمشاكل والضعوفات.
أسباب كثيرة تخسّر الزوجين خيرهما، منها عدم التواصل، البُعد، الغرق في العمل وعدم التذكّر لوجود الآخر... خطوات صغيرة تعبّر بها عن حبّك للآخر تعطي دفئًا جديدًا في العلاقات وتساهم في متانة البناء وصيانته من التكسّر. نتكلّم عن نوعيّة الشراكة. اليوم جفّت العلاقات لأسباب كثيرة منها وسائل الإتصالات الحديثة.
فلننتبه إلى الشريك، إلى حضوره، نُعطيه وقتًا ولا نتحجّج بقلّة الوقت، فإن أرَدنا وَجَدنا وقتاً للآخر، وقتًا للحوار، وقتًا للصلاة، وقتاً للشراكة الحقيقيّة لتبقى العائلة عيلة الله وصورته.
كل واحد من الزوجين مسؤول عن الآخر، عن خلاصه وفرحه وقداسته.
فلننتبه إذًا إلى نوعيّة الحُبّ، نوعيّة الشراكة، لنَصِل إلى نوعيّة حياة.
نحن بإرادتنا نختار نوعيّة الحياة في عالم أصبحت فيه أمور الحياة متطلبة وقاهرة، وتهدم العيلة إن تركنا أنفسنا ننقاد إلى فخاخها. المحبة هي أساس كلّ بنيان، فلنبني بِحُبّ وننتصر على كل التحدّيات ونحضن عائلاتنا بفرح لتبقى كنائس صغيرة تُمَجّد الله وتعكس صورة الثالوث. آمين.
من الإختبارات: "إذا المسيح ما كان فِيك صعب تَعطِيه لأولادك."
صلاة: "يا يسوعُ ربَّنا يا نوراً من نـورْ جئناكَ وقلبُنا بالحُبِ مغمورْ فاقبلْ منّا حبَنا واملأ قلبَنا بالنورْ."