دير مار مارون - عنايا
1- الموقع
يقع دير مار مارون في قرية عنّايا، إحدى قرى منطقة جبيل في محافظة جبل لبنان، يرتفع عن سطح البحر 1200 متراً ويبعد عن العاصمة بيروت 52 كلم.
كما وتقع محبسة القدّيسين بطرس وبولس على الهضبة مقابل الدّير الّتي ترتفع 1350 متراً.
2- الإسم
عنّايا اسم سريانيّ جاء من "عَنُايُا" المغنّي أو المرتّل أو من "عَنُويُا" وهو الزّاهد والنّاسك.
3- تاريخ الدير
في سنة 1820، اهتمّت الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة بتأسيس دير جديد على اسم القدّيس مارون, والعمل في بناء القسم الأوّل من الدّير كان سنة 1828 وهي سنة ولادة القدّيس شربل.
وفي سنة 1829 تقرّر في المجمع العامّ للرّهبانيّة الّذي عُقِدَ في دير سيّدة طاميش وجوب تأسيس دير مار مارون في عنّايا. فتولّى الرّئاسة عليه الأب سركيس القرطباوي ثمّ الأب يوحنّا القعقوري فبنيَا بعض الغرف وكنيسة سقفَاها بالخشب ممّا قدّمه لهما الأب العامّ اغناطيوس بليبل واشتريا للدّير أثاثاً وأملاكاً.
وبقي الدّير كذلك حتّى سنة 1838 الّتي عُقِدَ فيها المجمع العامّ، فانتخب الأب عمّانوئيل الشّبابي رئيساً عامّاً فاتّفقَ مع مجمع مدبّريه على بناء الدّير من جديد على الهيئة الّتي هو عليها الآن، فسمّوا له رئيساً الأب ليباوس داغر التّنوري. وبدأ العمل عملياً في 8 ايار 1839 مع بناء البير والأقبية والكنيسة وفي 20 تشرين الاوّل 1841 كان الانتهاء من البناء.
بعد إعلان شربل مخلوف طوباويّاً سنة 1965. شرعت الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة ببناء كنيسة جديدة تكون مهيّأة لاستقبال الأعداد الكبيرة من المؤمنين الوافدين إلى عنّايا. وفي سنة 1974، كان تدشين الكنيسة الجديدة غربي الدّير الّتي أُنشئت على اسم القدّيس شربل ولا تزال الرّهبانيّة إلى اليوم تُحدِثُ في الدّير وحوله إصلاحات عديدة خدمة للزّوّار وتلبية لحاجاتهم الرّوحيّة والزّمنيّة.
4- القديس شربل
كان هذا الدّير كغيره من الأديار الكبيرة في الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة ديراً للابتداء، وقد أبرز فيه النّذور الرّهبانيّة في 1 تشرين الثّاني 1853 القدّيس شربل مخلوف. ووُجد اسمه في دير عنّايا في المجامع الدّيريّة لانتخاب وكلاء الأديار لعام 1868-1871-1874.
طيلة 47 سنة من حياته الرهبانية, ما انفك الأب شربل يقوم بالأعمال اليدوية في جميع الفصول, ويقوم بأشغال الدير والحقل, يقطع الحطب في الحرج, ينقل منه أحمالاً ثقيلة وسلال العنب إلى المعصرة لا يذوق منها عنقوداً. يقوم بأعمال الفلاحة والزراعة جميعاً, بات مقتنعاً بأن شغله مشاركة في عمل خالق الكون الذي منحنا العالم لكي نفرح بإكماله.
آية تحويل الماء في عرس قانا الجليل دشّنت عهد يسوع العجائبي, وآية سراج الماء في عنايا افتتحت سفر العجائب الشربلية. ففي دير مار مارون أشعل الأب شربل سراجه بالماء وأنار الظلمة وأكمل صلاته وتأمله بمحبة خالقه.
في عام 1885 دهمت أسراب من الجراد تكاد تحجب الشمس حقول عنايا والقرى المجاورة. فأمر الرئيس الأب شربل بأن يبارك الماء ويرش به الحقول, وكذلك فعل وكل حقل رشّه الحبيس نجا من فتك الجراد. فهرعوا الناس من القرى المجاورة يطلبون ماءً مباركاً لرشّ حقولهم, فسلمت جميع الحقول المباركة. وحينما آن وقت الحصاد قدم نحو مئة شخص من قرية إهمج وحصدوا زرع الدير مجاناً عرفاناً للجميل.
5- حياة الدير
أصبح هذا الدّير لوجود ضريح القدّيس شربل وجثمانه فيه مزاراً عالميّاً يحجُّ إليه الألوف من كلّ المناطق والبلاد على اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم. وقد أجرى الله على يد القدّيس شربل العجائب الكثيرة ووهب بشفاعته النّعَم الغزيرة خاصّة بعد سنة 1950.
واقتفاء بنهج القدّيس شربل الّذي جمع بين السّماء والأرض يُعنى دير مار مارون – عنّايا بنشاط زراعيّ متميّز وصناعات متنوّعة كالنبيذ والمربّيات ومشتقّات الحليب...
ولم يقتصر نشاط رهبان الدّير على إتمام واجباتهم الرّوحيّة داخل الدّير فقط بل وزّعوا نشاطاتهم واهتماماتهم المختلفة في الجوار حيث شرعوا يقومون بخدمة الرّعايا ويولونها كلّ عناية واهتمام.
6- معالم الدير
واليوم بالإضافة إلى كنيسة الدير وحصن الدير الخاص بالرهبان يتواجد في الطابق السفلي متحف يضمّ ثياب رهبانية وكهنوتية وأواني كنسية كانت بإستعمال القديس شربل والرهبان. يحوي المتحف أيضاً التابوت النحاسيّ و التابوت الزجاجيّ الذي وُضع فيه جثمان القديس فترة أمام الزوار, والشراشف والثياب المليئة من الماء والعرق التي كان ينضحها جثمان القديس طيلة 70 سنة بعد وفاته. وتجدر الإشارة بأن ضريح القديس الحالي هو من خشب الأرز محفور عليه أرزة لبنان وصليب المسيح.
كذلك يتواجد في المتحف مجسّم يظهر عائلة القديس مثالاً للعائلة المارونية الجبلية إثر اجتماعها للصلاة قبل الطعام. كما نلاحظ وجود عكّازات وعصي تركها المؤمنون بعد شفائهم من شلل أو من أمراض أخرى. ونرى أيضاً رسائل تُعدّ بالآلاف من جميع أنحاء العالم طلباً لشفاعة وبركة القديس.
ولا ننسى وجود مكتبة تحوي كتب روحية بلغات مختلفة وتذكارات من أعمال الدير وبركة بخور وزيت من القديس.
وهكذا أصبح دير مار مارون عنّايا بفضل القدّيس شربل مزارأً وطنيّاً وعالميّاً كبيراً حيث يقصده آلاف المؤمنين للصّلاة والتّوبة، ولتلبية حاجاتهم الرّوحيّة على أنواعها كما تتوافد إليه الرّسائل من كلّ أنحاء العالم، التماساً لبركة قدّيس لبنان أو طلباً لشفاعته.
محبسة القدّيسين بطرس وبولس - عنّايا
1- تاريخ البناء
محبسة القدّيسين بطرس وبولس التّابعة لدير مار مارون- عنّايا، بدأ البناء فيها عام 1798 من قبل يوسف بو رميا وداود عيسى خليفة من قرية إهمج وذلك على تلّة رويسة عنّايا. أنهى يوسف وداود بناء الدّير سنة 1811 وسمّيا المعبد الّذي شُيّد على أنقاض قديمة على اسم "تجلّي الرّبّ" وكانت غايتهما أن ينقطعا فيها إلى عيشة النّسّاك زهداً بالعالم.
وتألّف هذا الدّير من ستّة غرف وكنيسة على اسم القدّيسين بطرس وبولس يفصلهما رواق ينتهي بغرفة يوضع فيها الحطب.
حوّل البطريرك المارونيّ يوحنّا الحلو في 9 آب 1812 اسم الدّير من دير التّجلّي إلى دير مار بطرس وبولس.
أصبح يوسف وداود راهبين منفردين غير منضويين إلى جماعة رهبانيّة سكنا هذا الدّير الّذي شيّداه وجمعا إليه بعض الشّبّان من إهمج وألبساهم الزّيّ الرّهبانيّ. ودُعيَ الاوّل بالأخ يوسف والثّاني بالأخ بطرس وهذا ارتقى فيما بعد إلى الدّرجة الكهنوتيّة واشترى أملاكاً كثيرة للدّير.
2- إستلام الرهبانية الدير
لمّا كان البعض من أهالي إهمج يقطنون بالقرب من هذا الدّير، دعت الحاجة إلى كاهن يقيم لهم القدّاس الإلهيّ ويقضي لهم واجباتهم الدّينيّة والرّوحيّة ويرشد نفوسهم إلى طريق الخلاص.
طلب يوسف وداود من رئيس عامّ الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة الأب اغناطيوس بليبل، في 20 تشرين الثّاني 1814، كاهناً من الرّهبانيّة ليقوم بهذه المهمّة وفوّضا إليه مطلق التّصرّف في الدّير وفي الأرض الّتي تخصّه وذلك بموجب مرسوم وجّهه البطريرك يوحنّا الحلو إلى الاب العامّ.
ابتداءً من سنة 1814، تخلّى هؤلاء الشّباب عن مقام مار بطرس وبولس مع ما حوله من أملاك ودخلوا الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة وظلّ الأخ يوسف في دير مار مارون عنّايا إلى ان توفّي بشيخوخة صالحة مملوءة باعمال التّقوى في 7 أيّار 1853 في رئاسة الأب أنطونيوس الباني.
في سنة 1820 اهتمّت الرّهبانيّة بتأسيس دير جديد في ذاك الموضع على اسم القدّيس مارون فلم يستحسن الرّئيس العامّ الأب أغناطيوس بليبل الموقع لصعوبة مجالاته وتعرّضه للعواصف والبرد الشّديد وقرّر أن يبنيه في مكان أكثر موافقة واختيرت التّلّة المبنيّ عليها دير مار مارون حاليّاً المكان المناسب لتشييد الدّير. أمّا دير مار بطرس وبولس فجُعلَ محبسة سنة 1828 وأوّل حبيس دخل هذه المحبسة من ابناء الرّهبانيّة هو رجل الله الاب إليشاع الحرديني شقيق القدّيس نعمة الله الحرديني ونذكر الحبساء الّذين سكنوا محبسة مار بطرس وبولس:
1-الأب إليشاع كسّاب الحرديني (13/02/1875)
شقيق القدّيس الأب نعمة الله الحرديني. دخل أوّلاً محبسة قزحيّا في 29/11/1828، وبعد سنة ونصف انتقل إلى محبسة عنّايا حيث عاش فيها أكثر من 43 سنة وتوفّي في 13/2/1875. كان نشيطاً في العمل، فهو الّذي بلّط المحبسة وحمل بلاطها على ظهره من مكان بعيد، وهو الّذي غرس الكرم في شرقي المحبسة، بعد أن قطع الأشجار وأعدّ الأرض بقلبها وتنقيبها إلى أن أصبحت صالحة للزّراعة.
2-الأب يوحنّا العاقوري (1821-1859) قطن المحبسة مدّة مع الاب إليشاع ثمّ عاد إلى الدّير.
3-الأب يواكيم الزّوقي (+1847) سكن المحبسة مدّة مع الاب إليشاع ثمّ عاد إلى محبسة وطى حوب في تنورين حيث توفّي.
4-الأب ليباوس الرّاماتي (1823-7/8/1914) تنقّلَ في عدّة محابس وعاش مع الأب إليشاع مدّة خمس سنوات، ومع القدّيس شربل مدّة 18 سنة ، ثمّ نُقل إلى محبسة القطّارة حيث توفّي بعد 21 سنة.
5-القدّيس شربل مخلوف (8/5/1828-24/12/1898) دخل المحبسة في 15 شباط 1875، أي بعد وفاة الأب إليشاع الحرديني ومات فيها.
6-الأب مكاريوس صوما المشمشاني (1840-10/10/1914) دخل المحبسة سنة 1880 وبقي فيها حتّى مماته, كان رفيق القدّيس شربل.
7-الأب أنطونيوس الغلبوني (1849-17/5/1930) سكن مدّة محبسة عنّايا ثمّ انتقل إلى محبسة دير القطّارة حيث توفّي.
8-الأب أنطونيوس الحصاراتي (1870-11/2/1946) سكن محبسة عنّايا 26 سنة وتوفّي فيها.
9-الأخ بطرس المشمشاني (1860-17/9/1942) خدم الحبساء مدّة ثلاثين سنة.
10-الاخ مخايل التّنّوريّ (1841-23/6/1901) خدم الحبساء بكلّ تواضع وإخلاص.
11-الأب أنطونيوس قزحيّا من كور البترون (1883-8/7/1958) كان كاهناً أبرشيّاً ثمّ أصبح راهباً خدم الحبساء ثمّ تنسّك فيها مدّة، وتوفّي هناك.
12-الأب الياس أبي رميا الإهمجي (1870-21/3/1967) خدم الحبساء مدّةً، وهو آخر من عاصر الأب شربل، وهو آخر حبيس قطن المحبسة، إذ بعد سنة 1950 انتشرت عجائب القدّيس شربل وتحوّلت المحبسة تدريجيّاً وتلقائيّاً إلى مزار عالميّ.
3- معالم المحبسة
تحوي المحبسة حاليا بالإضافة إلى الكنيسة, غرفاً يتواجد فيها أواني كنسية وعدّة للحقل كانت بإستعمال الحبساء قديماً. وغرفة الحبيس شربل تحوي بساطاً من المسح مفترش على الأرض وجذعاً من السنديان لإلقاء رأسه عليه أثناء ساعات نومه القليلة. وغرفة أخرى نجد فيها كتباً روحية كان القديس شربل يقرأ فيها ويحيي لياليه بالصلاة أمام القربان الأقدس وأمام صورة لقلب مريم الطاهر لا تزال موجودة في الغرفة الداخلية, ونشير إلى أن هذه الصورة هي تقدمة من القديس نعمة الله الحرديني إلى أخيه الحبيس إليشاع.
كما ونذكر وجود درب للمشاة تصل الدير بالمحبسة اسمها "طريق القديسين", تنطلق صعوداً من ساحة مدخل الدير من أمام تمثال للقديس شربل يباركنا ويوجّهنا بيده صوب درب الرّب صعوداً. نمرّ أمام تمثال لأمنا مريم العذراء لترافقنا في مسيرة قداستنا, ونغوص بالحرج المغروس بشجر السنديان والصنوبر, نتأمل بالطبيعة, ندخل إلى البرّية إلى أعماقنا للإصغاء إلى صوت الرّب. ونكمّل صعوداً لنصل إلى القمّة إلى الصليب, صليب أبيض مغروس بالصخر يحضن الجبل يواجه العواصف موجّه صوب المحبسة على التلّة المقابلة لتستمد قوّتها منه. ونحن بدورنا نمتلىء من المسيح ونكمّل مسيرتنا على درب الجلجلة صعوداً وصولاً إلى المحبسة إلى تلّة التّجلي, حيث القديس شربل تخلّى وتحلّى وتجلّى طيلة 23 سنة استحباس بالرّب يسوع المسيح.
والجدير بالذكر أن الأسماء التي تحملها هذه الرابية وما يجاورها هي أسماء مأخوذة عن الأراضي المقدسة, فقمّة عنايا بالذات تحمل اسم "جبل التجلّي", واسم طورزيا إلى الجنوب منقول عن "طورزيت جبل الزيتون". إلى الشرق بيدر "آرونا اليبوسي", ثم ان عنايا اسم الهضبة التي بُني عليها دير مار مارون ومحبسته قد يكون مأخوذاً من كلمة "بيت عنيا", أخيراً إلى الشمال تبدو "صخرة قيافا" وإلى الغرب معبد على اسم "يواكيم وحنة". أيكون الله أعدّ هذا الجبل جلجلة ثانية على الأرض وجبل تجلٍّ آخر, يكونان منطلقاً جديداً لإشعاع نور الخلاص وتمديد سرّ الفداء عبر آفاق وأجيال جديدة؟
المراجع :
1- كشف الخفاء عن محابس لبنان والحبساء،الأب ليباوس داغر 1923، تقديم الأب جوزيف قزّي 1988- الكسليك.
2- مختصر تاريخ الرّهبانيّة اللّبنانيّة المارونيّة، الأب يوسف محفوظ، 1969
3- شربل إنسان سكران بالله- الأب بولس ضاهر- 1978
4- القدّيس شربل-كما شهده معاصروه-الأب حنّا اسكندر- 2007
5- الموقع الإلكترونيّ الرّسميّ لدير مار مارون عنّايا: