"أنا لا أموت أبداً"
"أنا لا أموت أبداً"
لا شكَّ أنَّ الموت هو عدوّ الإنسان الأكبر، فهو يقهره ويذلّه ويُحزنه ويُخيفه ويُنهي أحلامه وطموحاته وكأنّه نهاية كلّ شيء.
كلّ شيء حولنا يموت: المجرّات والنجوم والكواكب، الأشجار والأزهار، الحيوانات والحشرات كلّ كائن ماديّ يموت وكلّ حركة تنتهي... فلماذا خلَقَ الله الموت؟
إنّ الموت هو جزء من الحياة ومن مسيرة الكون فهو الذي يسمح بالتجدّد والتحوّل، فكلّ كائن لا يموت هو مائت إذ أنّه يكون جامداً، لا يتحوّل لأي شيء. هذا الموت قد خلقه الله لتستمرّ الحياة وتتجدّد وتتحوّل. فموت الإنسان البيولوجي كونه تراباً هو أمرٌ طبيعي، أمّا الموت الروحي فهذا لم يخلقه الله ولم يرده أبداً، بل دخل الإنسان بسبب الخطيئة. جلبَ الإنسان الموت لنفسه بسبب معصيته لله الذي أراد له حياةً أبديّة بجسد أبديّ ممجّد بعد رقاد الجسد البيولوجي. والمثل الأمثل لذلك هو أمّنا مريم العذراء المنزّهة عن كلّ عيب والبريئة من كلّ خطيئة، فلم تعرف الموت بل تعلّمنا الكنيسة أنّها رقدت عندما انتهى زمنها على هذه الأرض وانتقلت بجسدها الممجّد إلى السماء، لأنّ الخطيئة لم تدخل إليها. فمريم حواء الثانية هي الصورة الحقيقيّة التي أرادها الله للإنسان. فبتجسّد يسوع من مريم وموته وقيامته أعاد الله إلى الإنسان صورته الحقيقيّة. فالأبرار يرقدون ويقومون في اليوم الأخير كما وعد يسوع بأجسادٍ ممجّدة للحياة الأبديّة كما يقول بولس الرسول.
فالمسيح سحقَ الموت بموته وقيامته بجسد ممجّد ولم يعد الموت سوى رقاد للّذين هُم في المسيح.
حدثين في الكتاب المقدّس يوضحان نظرة يسوع للموت: إحياء إبنة يائيروس في (مرقس 5/35) وإقامة لعازر (يوحنا 11/1).
ففي الموت الأول قال يسوع:
الفتاة لم تمت بل هي نائمة وقد سخر منه الحاضرون. فأمسكها بيدها وقال لها: "طابيتا قومي" وأقامها من نومها.
وفي الحدث الثاني:
ترك يسوع لعازر يموت وقال لتلاميذه: "لعازر حبيبنا قد نام" ولمّا لم يفهم تلاميذه قال لهم "لقد مات". "وإنّي لم أكن هناك لتؤمنوا". وقد قال "أنا القيامة والحياة" عندما أقامه من الموت.
ويقول يسوع لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولا يستطيعون أن يقتلوا النفس، بل خافوا الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنّم (متى 10/28) و (لوقا 12/4).
وأعطى يسوع فكرة عن الملكوت حيث قال هناك لا يزوّجون ولا يتزوّجون بل يكونوا كملائكة الله في السماء (متى 22 /30) (مر 12/25) (لو 20/35)
ويقول مار بولس في (1كو 15/20): "لقد قام المسيح من الأموات وهو باكورة الراقدين... المسيح باكورة ثمّ الذين في المسيح عند مجيئه".
ففي اليوم الأخير يقوم كلّ الّذين في المسيح إلى الحياة الأبديّة بأجسادٍ ممجّدة والّذين لم يؤمنوا إلى الدينونة.
يقول مار بولس في (1كور 15/35) إنّ جسدنا المائت ليس سوى بذار جسدنا القائم من الموت. "يزرع جسد حيواني فيقوم جسد روحاني". إذاً نحن في هذا العالم بذار ترابيّة تُزرع في هذا العالم لتنمو وتُزهر وتُثمر أجساداً ممجّدة في ملكوت الله الأبدي (فل 3/21) الدودة تدخل في الشرنقة مثل دخول القبر لتخرج منه جسداً جديداً مختلفاً إلى عالمٍ جديد لا يعرف العالم القديم ولا يريد العودة إليه. والجنين في بطن أمّه بالكاد يتلمّس ويستشعر العالم الخارجي ثمّ يخرج إليه بحواسٍ جديدة ومشاعر جديدة ولا يعود إلى الحشا أبداً. كذلك الموت ينقل الإنسان من هذا العالم إلى عالم الله الأبديّ.
متى تكون القيامة؟ لنقرأ (2تيم 2/17) (يو 6/39) (كول 2/12) (أفسس 2/6) (كول 3/3-4) و (1تس 4/16).
يقول بولس الرسول: "حياتي هي المسيح والموت ربحٌ لي" (في 1/21)
فماذا يُربحني الموت إذا كانت حياتي هي المسيح؟
1- الراحة:
الراحة الأبديّة التي ينشدها كلّ إنسان. فلا راحة في هذا العالم بل في أحضان الله.
2- الحريّة:
فالموت يحرّرنا من كلّ ما يُثقّل نفسنا من أعباء الجسد والعبوديّة الترابيّة. فمَع سمعان الشيخ نقول: "أطلق عبدك يا ربّ".
3- الرؤية:
فالموت يفتح نفوسنا على رؤية جديدة. رؤية وجه الله ومجد السماوات وجه المسيح ومريم والقدّيسين والملائكة ... بصورة تفوق مشهد التجلّي وهي رؤية يحلم بها كلّ إنسان.
4- الفرح:
الفرح الكامل الأبدي المستمرّ دون انقطاع الذي لا يعرفه العالم الأرضيّ.
5- القداسة:
وهي الكمال الذي يطمح إليه الإنسان البار، لن تكتمل القداسة فينا في هذا العالم بل سيكمّلها الله فينا في ملكوته فيجعلنا قدّيسين.
6- الشبع أو الملء:
الإنسان كائن جائع لا يكتفي ولا يمتلئ في هذا العالم. أمّا في الملكوت فسيحصل على الملء سيَشبع من حضور الله.
7- التسبيح:
سيكون الإنسان في حالة تسبيح دائمة مثل الملائكة والقدّيسين يسبّح الله بلغة جديدة. فور رؤية مجد الله يبدأ الإنسان بتسبيحٍ رائع لا ينتهي.
8- المكافأة:
هذا هو الربح الوحيد الذي يختلف من إنسان إلى آخر وهي تأتي على قدر جهد الإنسان وتعبه وعطائه في هذا العالم لمجد الله وخلاص النفوس فكأس ماء بارد لا يضيع وكل ما نصنعه هنا نكنزه في السماء.
فنحن نرجو القيامة ونستعدّ لكلّ هذا الربح إذا كانت حياتنا هي المسيح فنقول مع مار بولس عندئذٍ: "حياتي هي المسيح والموت ربحٌ لي".
من إختبارات ريمون ناضر مع القديس شربل:
"وحدها المحبّة بتنتقل معكُم للعالم الآخر، ويللي بيُوصل قدّام الربّ خالي من المحبّة بيموت خجل، وساعتها بتكون لحظة موتو الحقيقي مش الساعة اللي ترك فيها هالعالم."
"قدّس الزمن، قدّس عمرك، قدّس كلّ لحظة من حياتك، ما تلتهي بدقّات الساعة: ما فيك توَقّف دقّات الساعة، لكن فيك تكون جاهز لمّا الساعة تدقّ."
صلاة: فعل الرجاء:
أيّها الربّ إلهي، ما لي غيرك؛ أنظر إليَّ بعين رحمتك، يا ذا كلِّ رأفة.
أنا مترَجٍّ منك كل ما أحتاجه، في هذه الدنيا وفي الآخرة:
لأنّكَ صالحٌ، ومحبُّ البشر، وقادر على كلِّ شيء، والذين يتوَكّلون عليك، الرحمة تُحيطُ بهم،
بإستحقاقات سيّدنا يسوع المسيح، الذي فدانا بدمه الكريم، وأنتَ سُررتَ به. آمين.
مع ريمون ناضر – تشرين الثاني 2016