"إذهب أنتَ أيضاً واعمل هكذا"
"إذهب أنتَ أيضًا وافعل كذلك"
هذا كان جواب يسوع لمعلّم الشريعة عندما سأله "ماذا أعمل لأرِث الحياة الأبديّة؟" وأعطاهُ يسوع مَثَل السّامري الصالح ليُظهر له مَن هو القريب وأنّ محبّة القريب تُتَرجم بعمل الرحمة تجاهه.
ما هو عمل الرحمة؟ كيف نقوم به؟ من أجل ماذا؟ من أجل مَن؟ بأيّ دافع؟
يعمل الإنسان الخير عادةً من أجل خير بالمقابل، ويتردّد كثيراً بعمل خيرٍ دون مقابل، ويَمتنع عن عمل الخير إذا كان المقابل سلبياً عليه.
ينبع ذلك من ثقافة المكافأة التي ينمو عليها الإنسان. فمُنذُ صِغرِهِ يتربّى الإنسان على المكافأة: فكُلّما عمل عملاً جيّداً يُكافأ عليه. إذا درسَ، إذا رسمَ، إذا عزفَ، إذا أكلَ، إذا قامَ بأيّ شيء جيّد يحصل على مكافأة أو ينتظرها. فيُصبح الحافز للعمل الجيّد هو المكافأة وليس العمل بحدّ ذاته. نتعوّد نحن على هذه الثقافة ونعيش من خلالها ونعكسها على علاقتنا مع الله ومع القريب بالوعي أو باللاوعي.
فكلّ عمل خير أو رحمة نقوم به ننتظر مكافأة عليه من الله أو من القريب.
وإذا أصابَنا أيّ مكروه أو حادث أو ألَم، نلوم الله ونُعيد النظر بأعمال الخير التي نقوم بها أو بسلوكنا التقوي لأنّنا لم نُكافأ على ما فعلناه من خير.
نعمل خيراً ونطلب من الله أن يكافِئنا بمكافآت كثيرة: حماية، تَوفيق، صحّة، بحبوحة، نجاح... إنّ عمل الخير والرحمة بحدّ ذاته يفوق قيمة كلّ مكافأة مُمكن أن تُعطى لنا. ليست المكافأة التي أحصل عليها إذا تعلّمت هي المُهمّة بل العِلم بحدّ ذاته، وكذلك إذا أكلتُ أو شربتُ أو عزفتُ أو رسمتُ. عندما أقوم بأعمال الرحمة أقوم بعمل الله، أُصبح على صورته أَنمو فيه وينمو فيّ، أتحوّل، أتنوّر، أتقدّس، أدخلُ الحياة الأبديّة وهذا يفوق أي مكافأة أو مُقابل مُمكن أن أحصل عليه. فقداستي هي مكافأتي الكُبرى وما مِن شيء يفوقها.
فأعمال الرحمة يجب أن تنبع من قلبي وكياني بقدر ما أُصبح على صورة يسوع وبِغَضّ النظر على النتائج حتى لو كانت إضطهادات أو تَعَب أو نكران جميل أو ردّات سلبيّة.
عندما سأل أحد الصحافييّن الأم تيريزا عن سرّها قالت له: سرّي هو الصلاة. أي أنّ كلّ ما كانت تعمله من أعمال رحمة كان ينبع من علاقتها مع يسوع وحبّها له واتّحادها به. فكلّما كنتُ أقرب إلى يسوع كلّما رأيتهُ بوضوح أكثر في الفقراء والمساكين والمجروحين والمهمّشين فأخدمهم لأنّي بذلك أخدم يسوع.
عندما أتعرّف إلى يسوع في القربان لَن أجد صعوبة في التعرّف إليه في الفقراء والمتألّمين فأجعل يسوع يَخدمهُم بواسطتي.
الرحمة هي الخدمة، أن أرحم يعني أن أكون خادماً. أن أضع نفسي وكياني في خدمة يسوع المصلوب الذي يحمل جراح البشرية كلّها. فأنا لا أَخدم من أجل أي شيء في المقابل بل أَخدم من أجل أحد وهو يسوع الذي فيّ والذي يعمل من خلالي وبواسطتي ويخدم المحتاجين. فأنا أتحمّل معهُ جراح البشريّة المعذّبة وأتحمّل معه مسؤوليّة تضميد هذه الجراح حيث أستطيع بكلّ ما أستطيع، وبشكل تلقائي وعفوي وكياني.
تعلّمنا الكنيسة عن أعمال الرحمة الجسديّة والروحيّة وترمز إليها بعدد 7. لتقول لنا أنّ أعمال الرحمة لامتناهية فالرقم 7 يرمز إلى الكمال وبذلك تقول لنا الكنيسة أن أعمال الرحمة لا محدودة وهي لا تقِف فقط عند الجائع والعطشان والعُريان والسجين والمشرّد والمريض والميّت.
فالجائع ليس هو فقط الجائع إلى الطعام بل الجائع إلى رحمة النّاس، إلى العلاقات الصالحة مع الآخرين إلى إهتمام الآخرين، إلى التشجيع، جائع للسلام والطمأنينة.
والعطشان ليس هو فقط المحتاج للماء بل عطشان إلى العاطفة، إلى الإحاطة، إلى أحد يسمعه، إلى بَسمَة، إلى نظرة، عطشان إلى الفرح.
والعريان ليس فقط من هو بحاجة إلى لِباس بل إلى الكرامة، فَكَمّ تُعرّي ألسنة الناس بعضها البعض فيَتعَرّى الإنسان من كرامته بكلام السوء عليه وفَضح عوراته وضعوفاته.
والسجين هو ليس فقط الإنسان المحبوس خَلفَ قضبان السجن، بل الذي هو سجين خوفِه من الآخرين، سجين ضُعف أو مَرَض أو نَقص. فَكَمّ في بيوتنا مِن سُجناء مضطّهدين لا يجرؤون على الخروج من ذاتِهِم لأنّنا سَجَنّاهُم نَحنُ بمعاملَتِنا لهُم.
والمشرّد هو الإنسان الذي لَم يعرِف بَعد دعوَتهُ في هذه الحياة وهو تائِه يغرق في مظالم هذا العالم ومتاهاتِه، مُشرّد عن ذاته.
والمريض هو كلّ إنسان لديه نَقص يُعيقه عن إتمام دعوته وَكَم نحمل كلّنا في داخلنا من الأمراض والنواقص التي تُعيقنا فكُلّنا مَرضى وبحاجة لرحمة بعضنا البعض.
الحياة الأبديّة طريقها الرحمة، والرحمة الحقيقيّة هي الخدمة لكُلّ مُحتاج والتي تنبع من الصلاة ومن العلاقة الحميمة الحقيقية مع يسوع المصلوب، الذي من خلال جراحاتِه أرَى جِراح إخوتي البشر فأُحبُّهم وأَتعاطف معهُم وأخدمهم فأنا على صورة يسوع خادم لكلّ البشر على دربي. بذلك فقط أكبُر بالنعمة ويكبر الملكوت في داخلي وأستحِق أن أُدعَى إبناً للآب الرحوم وأكون على صورة يسوع.
إذا أردتُ أن أكون قدّيساً فيجب أن أكون خادماً.
من إختبارات ريمون ناضر مع القديس شربل:
"الصوم تيقوّيكن ما تألّهوا الصوم. الإماتة تتطهّركن ما تعبدوا الإماتات. أناشيدكن تتمجّد ألله ما تمجّدوا أناشيدُكن."
قصد:
"في هذا الزمن المبارك، أجتهد للجلوس يوميّاً مع الربّ في خلوة تأمّل وصلاة، فأَمتليء مِن حُبّه لأستطيع الإنطلاق إلى إخوتي".
صلاة:
"يا ربّي يسوع يا إبن الله الحيّ، إرحمني أنا الخاطئ وخلّصني". (3 مرّات)
مع ريمون ناضر - شباط 2016 - سنة الرحمة