روحانية السنة الطقسية - الأب مارون مبارك
موضوع رياضة روحية - عنايا 30 تشرين الأول 2004
مع الأب مارون مبارك - مرسل لبناني
(ملاحظة: هذا التعليم منقول عن التسجيل الصوتي لهذا هو أقرب الى اللغة العامية).
الموضوع: روحانية السنة الطقسية
اجتماعنا حول الكلمة يولد فينا رغبة المعرفة، معرفة الربّ بالفكر وخبرة الحياة ورغبة البقاء مع ربنا (امكث معنا يا رب)... وكان مكوث الربّ مع تلمذي عمّاوس دائماً، وعند كسر الخبز اختفى لكنه مكث في قلبهما ومنحهما طاقة حبّ جعلتهما ينطلقان للتبشير. اجتماعنا حول الكلمة يولد فينا هذه الرغبة، رغبة تلمذي عمّاوس.
لماذا السنة الطقسية؟
قصتان روحيتان حول أهمية الزمن.
القصة الأولى: اجتمعت مشاعر البشرية كلها على جزيرة للاحتفال وبعد مرور وقت قصير طُلب من الجميع المغادرة لأن الجزيرة تغرق، فهربت كل المشاعر وبقيَ وحده الحبّ إذ صعُبَ عليه ترك الجزيرة تغرق وحدها. ولما كادت أن تغرق كلها صرخ الحبّ للكبرياء لمساعدته فأبى أن يصعده معه على قاربه كذلك الغنى والحزن والكيف، عندها أتى شيخ جليل وقام بإنقاذ الحب. وأراد الحبّ أن يعرف هويّة الذي أنقذه، فسأل الحكمة، قالت له، هو الزمن، وذلك لأنه وحده الزمن يعرف قيمة الحبّ وأهمية وجوده فيه.
القصة الثانية: تتحدث عن فتى صغير عليه الخضوع لعملية في قلبه. أتاه الطبيب شارحاً له كيفية إجراء العملية فقال له الصغير: غداً عندما تقوم بفتح القلب ستجد يسوع في داخله. وفي اليوم الثاني واثناء العملية وجد الطبيب القلب في حالة سيئة جداً وما من سبيل لإنقاذه، فعاد إلى مكتبه يبكي ويلوم الله على هذا الوضع، فقال له الرب: أنا خلقت هذا الولد والآن أنا أريد استرجاعه ليعيش سعيداً معي في الملكوت. قال له الطبيب: ماذا عن أهله؟ سيحزنون وينفطر قلبهم عليه؟ أجابه الله: ما هي إلا بضع سنوات تمر ويجتمعون معه، هذه هي إرادتي. اطمأن الطبيب وذهب في اليوم التالي لرؤية الولد، فسأله الصغير: هل وجدت يسوع عندما فتحت قلبي؟ أجابه الطبيب: نعم لقد وجدت الربّ يسوع.
السنة الطقسية هي الوقت والزمن العادي الذي نعيش فيه نحن البشر. نحن نعيش في زمن ومكان واحد لا نستطيع تخطّيهما. أراد الرب أن يرينا عظَمَ محبته فدخل زمننا هوَ الذي لا يحدّه زمان ولا مكان، أراد أن يملئ قلوبنا بمحبته.
السنة الطقسية هيَ إذاً الزمن الذي يتدخل فيه الربّ ليرينا حبّه ويعلمنا كيفية الردّ على هذا الحب. لذلك نحن بحاجة أحياناً لمحطات ووقفات نختبر من خلالها محبة الربّ لنُحسن مبادلته هذه المحبة.
قدّسَ الرب الزمن بدخوله فيه. لم يدخله فقط عند التجسد إنما قبل ذلك بكثير. دخله عند التكوين، دخله عندما نادى "آدم أين أنت؟ ماذا فعلت بالحبّ الذي أغدقته عليك؟" ولم يكن آدم على مستوى هذا الحبّ.
بتدخله يجعلنا نفكر في أنه كيف علينا أن نعيش هذا الوقت بطريقة تقدّسنا وترفعنا إليه. بحضوره بالوقت قدس الوقت لأنه هو القدّوس، يقدس حيثما يوجد، ونحن نستمد القداسة من وجوده هوَ القدوس بقربنا (الأقداس للقديسين) وتعاطينا مع الوقت من منطلق حضور الربّ فيه يقدسنا. اجتماعنا مع بعضنا البعض بمحبة أخوية خلال الذبيحة الإلهية يعتبر زمن مقدس، كذلك كل وقت نعيشه بحضور الربّ هو وقت مقدس. فالقداسة هي أن نعيش كل لحظة من حياتنا تحت نظر الربّ وعكس هذا يؤدي إلى فقدان قداستنا.
السنة العادية هي عندما تدور الأرض دورة كاملة حول الشمس والشمس في السنة الطقسية هي يسوع المسيح والشعب يدور سنة كاملة حوله وحول دفئه ونوره ويتأمل ويتغذى من حياته. في السنة العادية يوجد أربعة فصول، أما في السنة الطقسية تدور الكنيسة حول المسيح عبر سبع فصول أو أزمنة مقدسة هي: الميلاد، الدنح، الصوم، الآلام، القيامة، العنصرة والصليب. نعيش خلالها انجذاب نحو شخص يسوع المسيح، نكررها سنوياً لنعيش خبرة أكبر ونرتفع أكثر نحوه من خلال عيشنا لمختلف فصول حياته.
زمن الميلاد: نتأمل في سرّ تجسد الربّ وكل ما رافقه في الإنجيل من أحداث حول طفولة يسوع من بشارة زكريا والعذراء إلى زيارة العذراء... إلى ميلاد الرب ومن ثم وجوده في الهيكل في عمر 12 سنة.
زمن الدنح: معمودية يسوع التي أسس لنا من خلالها خطّ روحي عندما وضع فينا روح الرب وعرفنا عندها الحياة بالروح.
غطسنا معه في المياء ولبسناه في حياة جديدة وأصبحنا أبناء الله على صورة يسوع.
زمن الصوم: هو رحلة بحرية تتقاذف فيها الرياح السفينة وهي تقاوم إلى أن تصل إلى ميناء الأمان. التقشف والإماتة تبقينا ثابتين إلى أن نصل إلى ميناء الأمان أي أسبوع الآلام.
أسبوع الآلام: موت وقيامة يسوع. نفتتح أسبوع الآلام برتبة هي رتبة الوصول إلى الميناء. نشترك في هذا الأسبوع بموت المسيح ونصل معه إلى مجد القيامة.
زمن القيامة: عيد القيامة هو الجوهر والنقطة الأساسية التي انطلقت منها السنة الطقسية. هو جوهر كل إيماننا ولولا قيامة المسيح لكان كل شيء باطل.
زمن العنصرة: أرسل لنا الروح ليبقى معنا وينتقل هوَ إلى يمين الآب. نتأمل في هذا الزمن بعمل الروح القدس فينا ومعنا.
زمن الصليب: نتأمل صليب يسوع برجاء. نفتخر به. خلّصنا الرب من خلاله. هو لنا رمز للحياة. وتركز الأناجيل في زمن الصليب على السهر واليقظة لمجيء الرب يسوع.
كل يوم أحد خلال فصول هذه السنة الطقسية يركز على حدث يرتبط بحياة يسوع الذي هو مركز حياتنا الروحية. ندور حوله ونتعمق بهِ سنة بعد سنة إلى أن نخرج يوما ما من دائرة الزمن وندخل مع الرب في ما وراء الزمن في حياة أبدية.
تبدا السنة الطقسية حسب الكنيسة المارونية بالأحد الأول من تشرين الثاني وهو أحد تجديد البيعة يليه أحد تقديس البيعة (وأحياناً يرتبط هذين الأحدين معا في أحدٍ واحد حسب مصادفة عيد جميع القديسين) نتذكر في هذين الأحدين تجدّد الكنيسة وتجديد علاقتنا مع يسوع على مدى سنة كاملة، ونركز على كيفية عيش حياتنا مع يسوع على مدار هذه السنة.
المحور الأول في السنة الطقسية هو الرب يسوع المسيح.
احتفل المسيحيون الأوائل بعيد القيامة فقط، وفي القرن الرابع عشر بدأ المسيحيون الاحتفال بعيد ميلاد الربّ يسوع انطلاقاً من فكرة الاحتفال بعيد مولد الملك عد الوثنيين، واختاروا لهم 25 كانون الأول الذي كان عيد الشمس عند الوثنيين، وذلك لأن يسوع هو شمسنا وإلهنا ومانح الحياة لنا. انطلاقا من مفهوم القيامة وصلنا إلى مفهوم الميلاد فالدنح فالصليب... وهذا القسم الكبير من الأعياد يعرف باسم الأعياد السيّديّة. القسم الثاني من الأعياد هو أعياد القدّيسين والأعياد المريمية. حملت مريم يسوع في أحشائها حملته بقلبها قبل أن تحبل به في أحشائها "قداسة البابا يوحنا بولس الثاني" هذا الإتحاد مع الرب يستحقّ التذكار وكذلك القدّيسين الذي عاشوا حياتهم باتحاد مع المسيح. من هنا انطلقت أعياد تذكار مولد وموت واستشهاد القديسين نتمثل بفضائلهم وبتقربهم من ربّنا.
من المهم جداً وجود مفهوم هذا الوقت المقدس خلال السنة، نقترب خلاله من الربّ ونبادله حبنا وحضورنا معه. وضعت الكنيسة لنا خلال السنة الطقسية قراءات وصلوات معينة تختلف باختلاف المناسبة فتتنور عقولنا من خلال كلمة الرب ونتعرف على حضوره المميّز في كل فصل من فصول هذه السنة وتولد عندنا رغبة في أن يمكث معنا.
وفي السنة القربانية التي أعلنها قداسة البابا يرافقنا يسوع كما رافق تلمذي عمّاوس. نوجه أنظارنا نحوه هوَ الحاضر في القربان نتأمل به لكي يمكث فينا ويحرك فينا الحياة الجديدة.
السنة الطقسية هي إذاً مدرسة يسوع في قلب الكنيسة فلنكن من أفضل تلامذة هذه السنة.