"إبقَ معنا يا ربّ" - المونسنيور يوسف سويف (حينها)
رياضة روحية – 2، 3 تموز 2005 –
بيت المحبة – أدونيس – جبيل
المونسنيور يوسف سويف (حينها)
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آمين.
يسرني ان التقي مجدّداً عيلة مار شربل، هذه العيلة العزيزة على قلبي ولها في قلبي موقع ومحبة والتي هي اختبار جميل في قلب كنيستنا في لبنان والشرق. هذه العيلة التي تسعى لعيش المسيرة الروحية الإيمانية من خلال روحانية مار شربل وانعكاس اختباره النسكي في قلب العالم.
واليوم موضوعنا في هذه الرياضة:
"إبق معنا يا ربّ".
ارتسم امامي ان اضع بين يديكم نقاط للتفكير حول الموضوع وهو موضوع هذه السنة.
أطرح 35 نقطة: تشكّل دخول إلى موضوع القربان، الإفخارستيا.
1- إبقَ معنا يا رب: هو نداء: صلاة الكنيسة، الرسل والتلاميذ والكنيسة الأولى. وهي صلاة الكنيسة التي تبحر التي تسير في قلب العالم. نداءها الدائم للمسيح الحي فيها وفي العالم للمسيح القائم من بين الأموات "إبقَ معنا يا ربّ". هذه الصلاة استدعائية، نستدعي المسيح القائم من بين الأموات الذي هو بالتأكيد معنا، لكن هذه الصلاة أو النداء هو شيء من الوعي والادراك أنّه معنا. وهذا الحضور يتجلّى بأنواع مختلفة:
الحضور الأول والأبهى والأقوى هو تحت شكلي الخبز والخمر: ألافخارستيا، ابقَ معنا يا رب تنطلق من الافخارستيا من لقاء الجماعة المؤمنة حول مائدة جسد ودم المسيح، تعلن سرّ موته وقيامته من بين الأموات وتقول له "إبقَ معنا يا رب". ومن هنا يتنوع حضور المسيح من خلال اختبار الكنيسة بعدة انوع.
2- "ماراناتا": استدعاء. هو التنفّس والصلاة الأولى للكنيسة التي آمنت بيسوع القائم من بين الأموات تقول له: "تعال أيها الرب يسوع". ماراناتا هو استدعاء الربّ ثم صارت استدعاء الروح القدس، تعال ايها الروح القدس، أو أرسل أيها الآب روحك القدوس. هي صلاة الكنيسة للربّ، والربّ يأتي. من جهة ابقَ معنا يا ربّ، وهو حضور الربّ وهو حقيقة لكن لكي يعطي ثمره في تاريخنا، هو بالمقابل بحاجة لندائنا، وعيَنا وصلاتنا وحريتنا، ندعوه ونقبل بأن يأتي وهو الحاضر أزلياً. هو اختبار الكنيسة والإنسان الواعي الحرّ الذي اختار أن يكون الربّ معه.
3- "خذوا كلوا هذا هوَ جسدي": نتيجة ابق معنا وماراناتا. هذه حقيقة ما زالت تتواصل في الكنيسة. أبقَ معنا مرتبطة لاهوتيا وعضوياً وفعليّاً وكنسيّاً بالكهنوت، أعظم تعبير لإبقَ معنا. كاهن الربّ. خذوا كلوا هذا هو جسدي، هوَ أعظم تعبير لإبقَ معنا.
4- "خذوا اشربوا هذا هوَ دمي". دم العهد الجديد. من يأكل جسدي ويشرب دمي له الحياة... لمغفرة الخطايا وللحياة الجديدة.
5- "إصنعوا هذا لذكري". هي الإحتفال بالذكر الإلهي وليس تذكار. هوَ ذكر الربّ، نصنع "ذكر الربّ"، نشترك بذكر موته وقيامته. ذكر يوازي السرّ، يوازي عمليّة استحضار الله. الكنيسة نستحضر الله وكلّ تدبير الله الخلاصي، لأجل خلاص وحياة البشر. لهذا يأتي جواب الكنيسة، واعترافها وإيمانها العلني. "نذكر موتك ونعترف بقيامتك وننتظر مجيئك..."هذا كله يحقق "إبق معنا يا ربّ.
6- "إفخارستيا" ابق معنا يا رب كي نشكرك. ليس فقط بالقداس، الافخارستيا هي المحور الأساسي الذي فيه نعيش ونرتوي من هذا الجسد والدم وفيه نشكر الله. "نشكرك عنها ومن اجلها كلّها". الافخارستيا تتطلق من الاحتفال المباشر أو الأسراري لتتحوّل فينا إلى مشروع حياة كلّها إفخارستيا. وهنا العمل المهمّ الذي نسعى كل ايام حياتنا لنصله، ندوزن، عمليّة انسجام وتوازن دائمة تصير في رياضة وكل مسعى وكل يوم من ايام حياتنا؛ هو هذا الإنسجام بين افخارستيا الاسرار وافخارستيا حياة.
7- "قربان": تقدمة. إبق معنا يا ربّ، فعل قرباني ينطلق من القرباني والمقرِّب، أي يسوع المسيح، هو القربان، الخبز الطيّب هو الحنطة التي دُفِنَت وماتت لكن أعطت ثمار. "إبقَ معنا يا ربّ" هو مشروع قربان ينطلق من المسيح القربان والمقرب كي يتحوّل فينا إلى مشروع قرباني لنصير ونتحوّل إلى قربان ومقرّب. هنا الافخارستيا، هنا القدالس وهنا إبقَ معنا يا رب". كلّنا نشترك ونساهم في عملية القربان، لا اكتفي ان يقربني الكاهن وابقى بعيد عن مفهوم المسيحيّة.
8- "ذبيحة الصليب": دموّية جرت في التاريخ، عربون محبّة الآب التي تجلّت في الإبن الذبيح على الصليب لأجلنا.
9- "ذبيحة روحيّة": ذبيحة الصليب تتواصل بذبيحة روحية غير دمويّة، عقليّة، ذبيحة القلب، ذبيحة السلام. نحن نُذبَح روحيّاً، كل قداسنا يشكل ذبيحة روحية تأخذ معناها في ذبيحة الصليب الذبيحة الدموية، وبها تحقّقت الحياة والخلاص للناس. وهذا الخلاص والحياة والرجاء تتجددّ فينا بقدر ما نعيش هذه الذبيحة الروحية.
10- "هذا هو اليوم الذي صنعه الربّ تعالوا نسَرُّ ونفرح به": اليوم، مهمّ جدّاً أن نعيش في هذا اليوم والمؤمن الحقيقي أي المؤمن القرباني يعيش مع الله "إبق معنا يا رب" هذا اليوم ويطلع من الماضى والأمجاد البالية. اليوم: هذا اليوم هو دهر الدهور. نعيش في الحاضر، والذي يعيش الاختبار القرباني يعيش الحاضر A jour، متجدّد في شبابه مع الله.
11- "هنا والآن". “Hic et Nunc”، هذا القربان هذا الحضور، الله الثالوث، حضور المسيح القرباني يصير هنا والآن. والآن يتحقّق بالزمن. في هذا الزمان، في هذا المكان، في هذا الإنسان مع هذه الجماعة وعلى هذا المذبح.
12- "كاهن وكهنوت": كل هذا المشروع يقتضي كاهن وكهنوت. هو حاجة الجماعة الكنيسة قبل أن يكون رغبة شخص. كاهن في وسط الجماعة يضرع إلى الله من أجلها. الكاهن أُقيمَ ليقف أمام الله من أجل البشر.
13- "هوَ سرّ الشركة": في اختبار "إبقَ معنا يا ربّ" تتم الشركة. الله لا يقبل أن يكون وحده، إلاّ بشراكة. المسيحيّة هي الشراكة، الله هو بذاته شراكة "ثالوث" وشراكة معنا. الله معنا. في الافخارستيا يتحقق سرّ الشراكة.
14- "شركة الثالوث": هو بذاته شراكة. الله يكون الله في الافخارستيا. ونحن ندخل بدينامية هذه الشراكة. أيقونة الافخارستيا هي ايقونة الثالوث الأقدس بامتيار.
15- شركة بين الأخوة والأخوات: شركة الثالوث وشركة الأخوة والأخوات لا ينفصلان. وهنا فرصة لفحص الضمير كيف أقدس هل اعيش الشركة مع الثالوث ولا اعيشها مع اخوتي؟
16- "سرّ الغفران": نبع المغفرة "خذوا كلوا هذا هو جسدي يعطى لكم لمغفرة الخطايا". وهذه ليست عمليّة تلغي الاعتراف. سرّ التوبة ينبع من الافخارستيا. هذا الخبز هو للغفران. سرّ الغفران هو سرّ الفرح الدائم في قلب الإنسان.
17- "قبلة السلام": ليس كيوضاس لا سمح الله، لا لأسلّم وأخون، هي قبلة السلام والمصالحة.
18- "هو خبز الحياة": لا خبز الموت. هذا الخبز يعطي الحياة.
19- "عربون الملكوت": "البعد الاسكاتولوجي" أي من الآن نتذوّق طعم الملكوت من خلال ما نعيش الآن.
20- "طعام القديسين والقداسة".
21- "طعام الملائكة": باشتراكنا ب"أقم معنا يا رب" ندخل عالم الملائكة، نتحرّر من معطيات الأرض ومحدوديتها، نرتفع (لنرفع عقولنا وقلوبنا) وندخل عالم الملائكة. المسيح طعام الملائكة وهو طعام الأرضيّين المدعوّين ليتحرّروا من قيود الأرض ويعيشوا مناخ السماء ويرتفعوا إلى أجواء ملائكيّة. هذه اختبارات يعيشها الإنسان.
22- "مجدّد الرجاء": إبقَ معنا. بعد ان ارتفعنا ولمسنا الأجواء الملائكية، لا يجوز أن نبقى طائرين في الهواء، هذا السرّ العظيم اشترك فيه بواقعيّة الأرض، وفيها احياناً يغيب الرجاء فهو يجدد الرجاء.
23- "محيي الراقدين": يحيي الأموات بكل ابعاد الكلمة. الذين ماتوا، ويحيي الموت الموجود فيَّ.
24- "هو قداس المحبّة" Agape، هو لقاء الجماعة القربانية في بيت الرعية، ليرى كلّ واحد الآخر ببعده الحياتي والإنساني وليس فقط في الكنيسة والقداس. وهذا يصير بدون مجهود الذي يرى أخاه في الإطار الطقسي يراه في حياته.
25- "من أجل تقديس العالم": كل هذا الإختبار واللقاء من أجل تقديس العالم: مسؤوليتنا كبيرة. عندنا طاقات وامكانات لتقديس العالم، في كل قداس. وهذا شيء واقعي. فكيف يتقدّس العالم إلاّ من أشخاص اتحدوا بالأقداس، بالقدوس. الأقداس تُعطى للقديسين. هم مخوّلين أن يقدّسوا العالم.
هل أعمى يقود عميان؟ على الإنسان أن يكون مستنير ليقود العالم.
هذا الموضوع اقوله ببعده الصغير والوسط والواسع على مستوى المسؤوليات الكنسيّة والادارية والدنيوية والزمنية، هذه الكنيسة، مدعوّة أن تقدّس العالم، لا يتقدس العالم بدون أشخاص اختبروا القداسة والقدوس في حياتهم.
26- "جماعة - جسر": بين المذبح والعالم لم يعد هناك هوّة. الجماعة صارت الجسر الذي يربط المذبح بالعالم والعالم بالمذبح.
27- "كنيسة قربانية": جماعة قربانية بأبعادها الحياتية الأنتروبولوجية أي تعبير الإنسان وكل تشعبّات الإنسان. حضورنا في العالم حضور قرباني، كل تحركاتنا وأعمالنا وأفكارنا قربانية.
28- "نفَس افخارستي": أي التفكير والمنطق وكلّ ما نعمله يكون من هذا النفَس، يصير إفخارستي.
29- "الاشتراك باستعدادات نفس": لا نقدّس كيفما كان ولا باستلشاء بدون الجهوزيّة. لا نأتي إلى القداس بدون الجهوزية الداخلية نحن ندخل قدس الأقداس، إجلع نعلَيكَ هذه الأرض مقدسة، نتخلّى عن العالم الذي نحنُ فيه وندخل الى الأرض المقدسة. استعدادات نفس دائمة لنكون في هذه الحالة القربانية.
30- "غسل أيدي وقلوب": بهذا ثمار اراها واقطفها من خلال المشاركة القربانية.
31- "فرح المشاركة": تعالوا نسرّ ونفرح فيه. قداسنا ليس قداس موتى قداسنا ليس قداس البائسين. إفرحوا، فرح يظهر على الوجوه يغزي الضمائر ويتوزع على الأخوة والناس.
32- صدق المشاركة: بدون تزييف ولا زغل.
33- "تقنية المشاركة": كيف نصلّي، التراتيل حركات الأجساد وغيرها.
34- "كنسيّة المشاركة": لست وحدي في هذه الكنيسة ولا في العالم. أنا نحن. أنا كنيسة المسيح، أنا حجر في كنيسة الله، في هذا البناء الحيّ.
35- كل هذا هو: صليب – مذبح – نار – نور- خبز – خمر – وكأس الخلاص.
بعد عرض هذه النقاط، التي من خلالها نعيش بطريقة لائقة، "إبقَ معنا يا ربّ".
كل هذه العناصر والمعطيات تساعد لكي "إبقَ معنا يا ربّ" تجعل منّا جماعة قيامة تُعلِن موت وقيامة المسيح.
8 نقاط للتفكير:
1) مدى إيماني بحضور المسيح في العالم.
2) "خذوا كلوا خذوا اشربوا": عطاء الله مجاني. ماذا نعطي أمام عطاؤه وكيف نعطي. هل عطاؤنا قرباني.
3) ذبيحة. هل نتخطّى البعد الدموي وندخل الى البعد العقلي، الروحي، القلبي، الذاتي كي نلتقي بالسرّ المقدّس.
4) اليوم، الآن... حقيقة الافخارستيا. هل أجسّد هذه الحقيقة في يومي أنا، في تاريخي الشخصيّ مع الربّ، أم اتكلّم عنها بالمطلق. هل عندي الجرأة أن تكون هذه الحقيقة معنية مباشرة في تاريخي الشخصي.
5) شركة الثالوث والأخوة معاً. هل أسير في دينامية التوازن بينهما.
6) قربان المغفرة والسلام والمصالحة. هل أتجاوب أو أتماشى وأفكر وانفتح على بعد القربان الكوني الواسع المدى والإنساني الشامل بعيداً عن الانغلاق والتقوقع والنظرة الإنسانية الضيّقة. بمعنى انا أحب أن أقدس فقط مع هذه الجماعة وفي هذا المكان...
7) هل ابني هذا الجسر الإنساني بين المذبح والعالم أو أكون سبب لعمق الهوّة.
8) عيلة مار شربل: جماعة قربانية: من عنايا إلى رعايانا إلى الكنيسة في لبنان والشرق والعالم.
شكراً.