"الصلاة" مع ريمون ناضر – كانون الأول 2013
بعد أن انهينا مواضيعنا مع انتهاء سنة الإيمان، نتأمل اليوم بموضوع الصلاة. فالصلاة هي ثمرة الإيمان.
الصلاة، هي أهم عمل يقوم به الانسان على الاطلاق. هي محادثة، والمحادثة هي حديث مع آخر وليس مع الذات، هي الانتباه للآخر، لحضوره، هي أن أعي أن هناك آخر مختلف عنّي أحادثه. وفي محادثتنا مع الله، يجب أولاً أن نعلَم ونعي مع مَن نتكلم، مَن نُحادث، نعي أهميّة المحادثة. هذا هو الشرط الأول.
الأمر الثاني الذي يجب أن أعيه في صلاتي، هو أنّه عليّ أن أشارك مَنْ أحادِث بما أملك، أعطيه افكاري، المحادثة عطاء وهو أهم عمل محبة يحصل بين البشر، فكيف إذاً مع الله. المحادثة ليست ثرثرة، ولا كلام لا معنى له، بل عطاء مشاعر، عواطف، تأثرات، خبرات، أعطي ممّا عندي من ذاتي. وهذا أعمق عطاء أعطيه.
القديس شربل مثلاً، هكذا حادث الله، عرف مَن هوَ ووعي لحضور وشخص الله معه فقدّم كل ما عنده.
الأمر الثالث، هو التوجّه نحو الآخر. كلنّا نكلّم أنفسنا طيلة النهار، نكون بمحادثة فرديّة أغلب الوقت، لكن الصلاة هي أن نتوجّه صوب الله، ونوقف التكلم مع أنفسنا، نعي حضور الله ونشاركه، نستدير بكل ذواتنا نحوه، لا ندر له ظهرنا، بل نتجرد. فبالمحادثة يبدأ عمل نكران الذات الداخلي.
الأمر الرابع، هو في خلق التواصل بيني وبين مَن أحادث. أردم الهوّة، ما يكون فيَّ "أنا" يصير "هو"، آخذ مني، لأضع فيه، وهو يضع ما عنده فيَّ. فالربّ يسوع قال في إنجيل يوحنا "لا أدعوكم بعد عبيدًا، بل أحباء لأن الخادم لا يعلم ما يعلمه سيده. فقد دعوتكم أحبائي لانّي كلّمتكم بكل ما سمعته من أبي.". نصير بالمسيح أحباء الله. يسوع عمل معنا محادثة، وقبل أن يكلمنا كان بمحادثة مع أبيه، فأتى إلينا يحادثنا، فصرنا أحباء، لأن ما عنده صار عندنا، أعطانا ما له، أعطانا من الآب.
إذاً المحادثة تخلق التواصل، تردم الهوّة، و"أنا" يصير "هو" وأمور كثيرة منه "هوَ" تصير "أنا". لهذا يجب أن أعمل لبناء هذا التواصل.
إذا الصلاة ليست خياراً في حياتنا، بل هي أساس، لأن الآب والابن والروح القدس الذين هم في تواصل ومحادثة دائمة، هم في كل وقت على استعداد لمحادثتي. هم في محادثة بدأت منذ الأزل ولا تنتهي. وأنا، الإنسان، هذه الجبلة الضعيفة، أستطيع في أي وقت أن أدخل بمحادثة معهم. في كل مرّة أصلّي، أكون بشراكة مع الثالوث. وهل هناك من شيء أهم نعمله في حياتنا؟
إذاَ الصلاة هي أخطر وأهمّ وأعمق شيء ممكن أن يعمله الإنسان. يقول القديس شربل: "اللي بيصلّي بيعيش سرّ الوجود، اللي ما بيصلّي بالكاد موجود". وهذا صحيح، الذي لا يصلّي لا يدخل بشراكة مع كل هذه المسيرة. يسوع أتى يعلّمنا كيف ندخل بشراكة مع الثالوث، فهل نرفض؟ هل يعيقنا أمرٌ آخر؟
الأمر الخامس، المحادثة تتطلب جواباً: أعي اولاً مَن هوَ الله، أشاركه، أتوجه نحوه، أردم الهوّة بيني وبينه، أتواصل معه وأنتظر الجواب.
هناك خطأ نعمله كثيرًا في الصلاة، نتكلم ونتكلم ونتكلم ونظن أننا نكلّم الله، فنكون لا نَعي حضوره، نكلّم ذاوتنا. فلننتبه: إن الصلاة تعتمد على: أولاً وآخرأً: إيمان بالعالم الآخر الذي يفوق هذا العالم، جمالاً، قدرةً، وبهاءً وروعة... أؤمن ولا أتوجّه إلى فراغ، أتوَجّه بصلاتي إلى الله فإذا توجّهت فقط لمخلوقات الله فأكون أحُدّ حياتي بقالب العالم المنظور. فالإيمان والمحادثة الحقيقيّة ترفعني إلى العالم الآخر. إذاً صلاتي هي تعبير عن إيماني، هيَ تكون كبيرة على كِبَر إيماني. معادلة صحيحة. تؤمن كثيراً تصلّي كثيراً. تؤمن قليلاً تصلي قليلأ. وإذا كنت لا تصلّي، تَحقّق من إيمانك. عندما تكون الصلاة نابعة من إيمان تكون بعمق ونوعيّة وحجم الإيمان.
إن كنت تؤمن بالله، تدخل بحديث معه، لكن ليس أي حديث. القديس شربل كانت صلاته بحجم إيمانه. والأم تيريزا، على قدَرِ عجقة اعمالها كانت عجقة صلاتها. الصلاة هي الشيء الوحيد الذي لا يتوقف في العالم الآخر. الذي يصلّي هنا، يبقى يصلّي هناك، والذي لا يصلّي، لا يَصِلْ إلى هناك.
والموت لا يوقف الصلاة، كل شيء آخر يُقطع، الصلاة هي الوحيدة التي تجعلك تعبر للحياة. لهذا يجب الاحتراف بالصلاة، صلاة بعمق وجدّيّة، صلاة محادثة مع الله. فالصلاة لها ثمارها ومفاعيلها، هي تغيّر الإنسان، تليّن القلوب المتحجرة، تشفي المرضى وتردّ الخطأة. ونحن في عيلة مار شربل، مثالنا هو القديس شربل محترف الصلاة.
ولماذا نصلي: في الإجمال، أغلب الناس تطلب. نطلب من الله أن يعطينا ما نريد وأن يردّ عنّا ما لا نريد. لكن أعظم مستوى الصلاة هي صلاة العبادة.
نحن نصلّي لنعبد الله، قبل أن نطلب وقبل أن نشكر. في حضرة الله أولاً يجب أن تعرف مَن أنتَ وممّن تطلُب ومَن تشكر. صلاة العبادة، أو صلاة التمجيد والتسبيح، هي أعظم صلاة.
ففي العالم الآخر، صلاتنا تكمّل، وما تكون صلاتنا في عالم الله إلا صلاة عبادة.
هي إذاً التأمل بوجه الله، الإقرار بالله إلهنا، الاعتراف بهِ ربّاً وسيدًا، التعبير عن الفرح والسعادة بأن الربّ هو إلهنا. وهذا يصير بالتسبيح والتمجيد. بالمواظبة نَصِلْ، فنصير رجال ونساء صلاة.
إن أكبر أعجوبة في هذا الكون، هو الله بحدّ ذاته، هو أعجب العجائب. هو الأكثر رحمة والأكثر عدالة، هو الأكثر إختفاء والأكثر حضور، هو الأكثر قوّة والأكثر جمالاً، هو الأكثر راحة والأكثر إنشغالاً، هو الذّي يغيّر كلّ شيء ولا يتغيّر، فيه كلّ شيء وهوَ الأعتق والأكثر تجددًا، هو لا يريدُ شيئاً والأكثر تطلّبًا، هوَ يدعو لهُ كلّ شيء ولا يعوز شيء... هو أكبر أعجوبة.
كيف إذاً نكتشف الله، كيف يصير هذا الإندهاش؟ هذا يصير بالعبادة فهي أهم صلاة، التأمل به والإعتراف والفرح...
القديس فرنسيس إكتشف، واندهش وكانت صلواته صلوات عبادة وتسبيح وتمجيد وإكرام، مجّد الله بمخلوقاته، الشمس والقمر والكواكب والرياح والغيوم وكلّ ما خلق الله. نظر إلى الله واعترف به سيدّا وإلهاً، مجّدَه وفرِحَ بهِ لأنه إلهه. فإن عرفنا كيف نعبُد الله، عرفنا كيف نطلب منهِ ونشكره.
إذاً، أنا رجل صلاة عندما أكون بمحادثة مع الله، أعي مَن هو الله، أتواصل معه، أردم الهوّة، أسمع لهُ والأهم أعبده وهي أسمى صلاة أن أقف أمامه بتمجيده وتسبيحه وأعبّر لهُ عن عظمة فرحي بأنه هوَ إلهي. عندها فقط أكون بحالة صلاة حقيقيّة.
للتأمل: التفتيش على كل ما له علاقة بالصلاة في الاناجيل الأربعة. والتمرين على الصلاة الحقيقيّة انطلاقاً ممّا عرضنا.
السؤال: كيف أصلّي، وكيف سأصلي بعد أن فهمت ما هي الصلاة الحقيقيّة؟