جبرايل من حجولا
البطريرك جبرايل من حجولا
انتُخِب بطريركاً انطاكياً على الموارنة سنة 1357. ومات شهيداً خارج طرابلس كما قال العلّامة البطريرك اسطفان الدويهي في سلسلته المجدّدة: "وفي سنة 1367، جرى الاضطهاد على رؤساء الكهنة واستشهد في النار بخارج مدينة طرابلس البطريرك جبرايل من قرية حجولا، وكان ذلك في شهر نيسان. وإلى اليوم قبره يهب الأشفية لكلّ من طلبه، وقد اتّخذه المسلمون مزاراً ويسمّونه الشيخ مسعود".
وقال الخوري الأسقف يوسف داغر في تاريخه: "وقد أدار جبرايل هذا شؤون البطريركية مدّة عشر سنين ومات شهيداً في سنة 1367.
أمّا سبب ذلك فهو ما كان من اغارة بيار دي لوزينان الفرنسيّ ملك قبرص على مدينة الاسكندرية وإمعانه في السلب والنهب والقتل. فردّ عليه سلطان القاهرة بالمثل، اذ هبّ في سنة 1367 يجهّز حملةً للاقتصاص من اللبنانيين الذين كان قد ظنّ أنّهم اتّفقوا مع الفرنج على استرجاع الأراضي المقدّسة. فسيّر إلى قيليقية، المملكة الأرمنية اللاتينية الصغيرة، حملةً اجتاحت في طريقها لبنان. وأغارت من ثمّ فرق المماليك على مقرّ البطريرك، وقبضت على الأساقفة والرهبان، وسجنتهم ولم يفلت منهم إلاّ المطران يعقوب الحصروني السالف الذكر.
أمّا البطريرك جبرايل فلجأ إلى قرية حجولا مسقط رأسه، بناءً على إلحاح الاكليروس والأعيان والشعب، فأرسل نائب طرابلس جنوده في طلبه، وألقى القبض على زعماء المقاطعة وأنذرهم بالهلاك إن لم يسلّم إليه البطريرك. عندئذ سار البطريرك إلى طرابلس مستسلماً، وقد حكم عليه ظلماً بالموت، ونفّذ فيه الحكم في شهر نيسان من سنة 1367".
وقد ذَكَرَ استشهاد هذا البطريرك كتاب مجمعنا اللبناني في صفحة 431.
وختاماً نقول مع الخوري بطرس ضو: "يبدو أن كلّ الفتن في تاريخ الموارنة تسبّب بها اليعاقبة الذين كانوا يندسّون فيما بينهم، ويبثّون الفتنة ممّا أدّى إلى انقسام الموارنة، ومن ثمّ إلى تنكيل المسلمين بهم. هذا الترابط بين تسرّب اليعاقبة وبدعتهم في داخل المارونيّة، وانقسام الموارنة بين راذل للبدعة أو قابل بها، واكتساح المسلمين للوطن الماروني، هذا الترابط بين الحلقات الثلات يوحي بالاعتقاد أنّ اليعاقبة كانوا جواسيس وعملاء يقذف بهم وقابلا لمسلمون في البيئة المارونية لتفسيخها تمهيداً لاجتياحها.
فالموارنة تجمعهم مع اليعاقبة رابط اللغة والعامل الديني، وإن كانوا على خلاف حول بعض الطقوس والعقائد. هذه الروابط كانت تسهّل تغلغل السريان اليعاقبة بين الموارنة. وكانوا هؤلاء اليعاقبة يستعملون أسلوب الرشوة والبرطيل والمال والهدايا ممّا مكّنهم من استحالة بعض رهبان وادي قنّوبين والمقدّم سالم في القرن الثالث عشر، والبطرك يوحنا في القرن الرابع عشر، وبعض المقدّمين فيما بعد. وليس من المستبعد أن يكون المسلمون زوّدوا هؤلاء الجواسيس اليعاقبة بالمال للتقرّب من الموارنة وزعمائهم، بقصد تفتينهم والتنكيل بهم وباستقلالهم".
وعلاوة على ذلك نقول مع حضرته: "فهذه الفتنة التي انشبت أظافرها في الموارنة، في أواسط القرن الثاني عشر أيّام البطريرك لوقا البهراني، والتي أدّت إلى فصل كسروان، معقل المردة عن الجسم الماروني وخرابه، كان سببها كما رأينا، راهبان مالا إلى بدعة اليعاقبة. وجرّا البطريرك وكسروان معهما.
والفتنة التي وقعت في القرن الثالث عشر، وأحدثت تخلخلاً في الكيان الماروني، كان سببها رهبان يعاقبة، وكانوا جواسيس مصريين تلبّسوا بهيئة رهبان، وملك مصري بزيّ درويش. وتسلّل هؤلاء إلى وادي قنوبين وبشرّي وزرعوا الفتنة فيها واستحالوا المقدّم سالم إليهم ممّا أحدث ثغرةً في التماسك الماروني وانحراف بشرّي عن المجموعة المارونيّة، وأدّى في النهاية إلى سقوط طرابلس بيد المسلمين.
وكذلك الفتنة التي حصلت في القرن الرابع عشر وأدّت إلى تحطيم الاستقلال الماروني، كان سببها راهب حبيس مال إلى بدعة اليعاقبة ورشا البطريرك وقسم الموارنة فئتين متناحرتين