"صلاة الوردية " - الأب يونان عبيد
الثلاثاء 9 آذار 2004 - بيت العيلة – غادير
أولاً: مقدمة
موضوعنا اليوم صلاة الوردية بحسب ما علمنا إياه قداسة البابا يوحنا بولس الثاني.
أولاً هناك فرق بين الوردية وبين المسبحة:
صلاة الوردية في أسرارها الأربع (الفرح – النور – الحزن والمجد) والتأمل فيها، هو الأساس، بينما المسبحة هي الآلة، هي الوسيلة الحسية والمنظورة التي من خلالها أنظم صلاتي.
صلاة الوردية هي ليست صلاة لمريم إنما هي صلاة تأملية مع مريم ليسوع.
ثانيا: تحديد هوية الوردية
1 - الوردية هي التأمل مع مريم في وجه يسوع
مريم هي المثال الأكمل للتأمل كونها أم يسوع، عاشت معه طيلة حياته. ومن فوائد هذا التأمل أنه يقود إلى قلب الحياة المسيحية لأن صلاة الوردية هي موجز ومختصر للإنجيل وهي التذكر الدائم لحياة يسوع بكل مراحلها، تجسده، حياته العلنية، موته وقيامته.
أقول أتأمل مع مريم لأنّه لا أحد أقرب منها ليسوع، هي حظيت بتأمل وجه إبنها منذ البشارة وحتى القيامة.
قداسة البابا إختصر نظرات مريم ليسوع بخمس نظرات أخذهم من الإنجيل:
1) النظرة الأولى: النظرة الإستفهامية: لما أضاعت مريم يسوع وكان عمره 12 سنة ووجدته في الهيكل.
2) النظرة الثانية: النظرة الثاقبة: في عرس قانا الجليل عندما نظرت إليه وقالت له ليس عندهم خمر.
3) النظرة الثالثة: النظرة الأليمة: نزاع وموت يسوع على الصليب.
4) النظرة الرابعة: النظرة المشعة: نظرة فرح القيامة.
5) النظرة الخامسة: النظرة المتأججة: نار العنصرة.
ومن هنا ولكي أكون مع مريم، المطلوب منّي أن أضع نفسي وأدمج ذاتي مع ذكريات مريم من حين ولدََت يسوع حتى القيامة. وبدون التأمل بالوردية تصبح الوردية جامدة وناقصة ومن دون روح تتعرض تلاوتها لخطر الترداد.
2- الوردية هي تذكر المسيح مع مريم.
التذكر يقوم على الإنفتاح على النعمة التي وهبها لنا يسوع بتجسده وموته وقيامته. إنطلاقاً من هذا التذكر أصبحت صلاتي للوردية وتأملي مع مريم عمليّة تأمل خلاصي إنقاذي يقوم بإلقاء الشبكة بعمق يسوع.
3 - الوردية هي تعلم المسيح مع مريم.
يسوع هو المعلم الأسمى (كلمة معلم مذكورة 12 مرة في الإنجيل)، هو الموحي والوحي والمطلوب أن نتعلم أن نعرفه لذا علينا أن نتوجه إلى مريم ونطلب شفاعتها (في عرس قانا الجليل تحولت مريم إلى واسطة، إلى أستاذة بفن الثقة بيسوع).
4 - الوردية هي التشبّه بالمسيح مع مريم
طبيعي جداً أن يتشبه تلميذ المسيح بمعلمه وبصلاة الوردية نحن مدعوون لهذا التشبه الذي يدفعنا أو يخولنا أن نتشبه به.
وكون مريم هي الأشبه بيسوع علينا أن نتشبه بها أيضاً فهي لا تحيا إلاّ بالمسيح.
5 - الوردية هي التوسل إلى المسيح مع مريم
كما يسوع وجّهنا إلى أبيه فعلينا بالوردية أن نطلب شفاعة مريم. فإذا كان المسيح هو الطريق فمريم هي الطريقة، هي الدليل. وواسطتها هي كلية القدرة على ابنها.
6 - الوردية هي إعلان المسيح مع مريم
الوردية هي مسيرة إعلان ليسوع ومسيرة تعمّق بيسوع.
في النتيجة صلاة الوردية هي التبشير بيسوع وإعلان للبشرى المفرحة.
ثالثاً: قلب الصلاة
إذا أردت أن أعطي عنواناً لأسرار الوردية فأنها توازي أسرار المسيح. فأسرار المسيح نجدها بأسرار الوردية التي أصبحت أربعة بعد أن أضاف عليها البابا أسرار النور أي حياة يسوع العلنية.
المسيح بالصلاة يحبّ النوعية لا الكمية، يريد قلباً لا عدداً. الوردية هي موجز الإنجيل، هي صلاة إنجيلية ترتكز على حياة يسوع.
تقسيم الوردية:
1 – أسرار الفرح:
فيها نتذكر تجسد يسوع، الله صار إنسانا، سمّيت فرح لأنها أول كلمة في عملية التجسد: "إفرحي". الفرح المشع من حدث التجسّد وقد حظي الكون كله بنعمة إلهيّة من خلال مريم، بدءاً من نَعَم البشارة ثم الزيارة فالولادة (فرحاً عظيماً)، التقدمة (فرح التكرس)، وجود يسوع في الهيكل (فرح إعطاء الأولوية للربّ).
أسرار الفرح هي الدخول في المعنى الحقيقي للتجسّد ودور مريم أن تقودنا لمعرفة سرّ الفرح المسيحيّ ونستفيد من عملية الفرح الحقيقي.
2 – أسرار النور:
تتناول حياة يسوع العلنية بدءاً بالمعمودية، عرس قانا الجليل، التبشير بالملكوت، التجلي والقربان المقدّس.
كل سرّ منها هوَ نور آتٍ من يسوع الذي هو نور العالم. عليّ أنا بدوري أن أكون نوراً يضيء، ممنوع أن أن لا أضيء أو أكون ملح لا يمَلّح، فالمطلوب أن اكون خميرة تخمّر.
3 – أسرار الحزن (الألم)
التي هي أعلى ذروة لتجلّي الحبّ. علينا أن ننظر لمريم التي عاشت مسيرة الألم من لمّا كان يسوع في عمر 40 يوماً عندما قال لها سمعان الشيخ: "وأنت سيجوز سيف في قلبك"... .
4 – اسرار المجد:
التأمل بصورة يسوع القائم من الموت. عندما أؤمن بالقيامة أتجاوز ظلمة الآلام. أتأمل يسوع في مجده، قام المسيح ليقيمني معه.
من ثمار الوردية التقدم إلى العمق: "ألقوا الشبكة في العمق ..." التي هي طريق مريم: امرأة الإيمان والصمت والإصغاء.
إن أسرار يسوع هي نوعاً ما أسرار أمّه بمجرّد أنّها تحيا منه وبه.
الوردية هي طريق لفهم يسوع والتأمل بالعمق.
رابعاً: منهجية الصلاة
بالمسبحة نصلي الوردية التي هي الوسيلة القانونية. البعض شبهها بالسلسلة التي تربطنا بالله وببعضنا البعض ولكن ليس لها بُعد لاهوتي بل مسيحي. حسب قول البابا هناك وسيلتان لصلاتها:
قراءة مقطع من الإنجيل، صمت - وتأمل والأسرار.
طريقة تلاوة صلاة الوردية:
- نبدأ بالأبانا التي هي ارتفاع نحو الآب اقتداءً بيسوع الذي كان يوجه نظره إلى أبيه، ففي كل سرّ من أسرار يسوع علينا أن ننقاد إلى الآب لأن يسوع يريد أن يرفعني صوب أبيه ويدخلني في حميميته. يسوع همَه ليس أن يَظهَر هوَ إنّما همّه أن يأخذني إلى أبيه، وبالتزامي المسيحيّ مطلوب منّي أن آخذ الآخر إلى يسوع ونصعد نحن الإثنين إلى فوق.
- العشر مرات السلام عليكِ:
وهو العنصر الأكثر متانة والذي يجعل من صلاتي صلاة مريمية إلى حدَ ما. والطابع المريمي لا
يتعارض مع طابع يسوع بل يركز عليه ويظهره.
والسلام مؤلفة من قسمين:
- القسم الأول مأخوذ من كلام بشارة الملاك لمريم وكلام أليصابات في الزيارة.
وهذه الكلمات تعبر :
1- عن إعجاب السماء بالأرض، عن حنوّ السماء للأرض وعن توجّه السماء للأرض.
2- عن إندهاش الله بخليقته مريم. كلّ ديانتنا قائمة على الدهشة والتعجب ولكن بالمعنى الإيجابي.
3- التكرار يجب أن يجعلنا نشارك بفرح الله. ربنا فرحان. السماء فرحة؛ وأنا بتلاوة السلام أشارك فرح السماء بعملية الصلاة.
وشرف كبير لي أنه بعد 2004 سنة رائع جداً أن أصلي صلاة السماء للأرض.
القسم الثاني من السلام: مباركة ثمرة بطنك يسوع:
إسم يسوع أهميته أنه متّحد بذكر إسم أمه مريم أم الله. أي التركيز على هذا الإسم الذي تجثو له كلّ ركبة.
يا قديسة مريم يا والدة الله... هو نداء وشفاعة ودعوة، كلام اضيف على السلام لاحقاً وليس من الإنجيل.
المجدلة: المجد للآب والابن والروح القدس...
البسملة (باسم الآب) والمجدلة (المجد للآب)، فكرة لاهوتية عميقة وهي أننا أمام الثالوث الأقدس لنشكره ونمدحه أي أدخلناه في صلب حياتنا. والمجدلة هي قمة التأمل.
- يا سلطانة السماء والأرض. تتلى في ختام المسبحة وما هو إلا دعاء.
خلاصة:
إذا صلينا الوردية بهذه الطريقة تصبح الوردية مساراً روحياً تكون فيه مريم أم، قائدة ومعلمة، نشكر مريم على وساطتها وشفاعتها وعلى توسلها.
آمين