ما عسى أن يكون هذا الطفل؟

القدّيس أوغسطينُس 
عظة بمناسبة ولادة يوحنّا المعمدان 

يا للعجب! لقد سبق مولد يوحنّا الرسول مولد الذي بدون عونه لم يكن يوحنّا ليرى النور! يوحنّا هو حقًّا الصوت، ويسوع الكلمة!... الكلمة تولد في الروح، ثمّ تدفع بالصوت الذي يعلن عنها، فيخرج الصوت من الشفاه ويقدّم الكلمة لسامعيه. هكذا بقي المسيح في الآب فيما رسوله يوحنّا خُلِقَ مثل سائر الأشياء. وُلد يوحنّا من أمّ بشريّة ومن خلاله عُرِفَ المسيح من جميع البشر.  المسيح هو الكلمة منذ البدء، من قبل أن يكوَّن العالم، ويوحنّا هو الخاتمة، هو الصوت الذي سبق الكلمة. تولد الكلمة من العقل، ويخرج الصوت من الصمت.
هكذا عندما وضعت مريم العذراء المسيح آمنت، بينما زكريّا لم يعد قادرًا على الكلام قبل أن ينجب يوحنّا. واحد خرج من إمرأة في زهرة الشباب والآخر وُلِدَ من امرأة عجوز ضعيفة. وهكذا الكلمة تتكاثر في قلب مَن يتأمّلها، والصوت يتناهى إلى أذن مَن ينصت إليه. ربّما كان هذا هو معنى كلمة يوحنا: "لا بدّ له من أن يكبر. ولا بدّ لي من أن أصغر" (يو3: 30). لأنّ الأقوال النبويّة التي ظهرت قبل ميلاد المسيح، كصوتٍ قبل الكلمة، استمرّت حتّى يوحنّا، الذي معه خُتمت التشابيه. ثمّ تلت ذلك نعمة الإنجيل والإعلان العلنيّ عن ملكوت السموات الذي ليس له نهاية، كي تنمو وتؤتي ثمارها على الأرض. بطبيعة الحال، فإنّ الحقّ قال في يوحنّا: "ليس في مواليد النساء مَن هو أعظم من يوحنّا المعمدان".