أنواع الصوم
قراءة من أفراهات الحكيم الفارسي
جميل هو الصوم النقيُّ في عينيّ الربّ. كنزٌ في السماءِ هوَ وسلاحٌ ماضٍ بوجهِ الشرّ، ودرعٌ ضدّ سهام العدوّ. لا أقول هذا الكلام من تلقاء نفسي، بل الأسفار المقدّسةُ سبقت وعلّمتنا في كلِّ زمانٍ انَّ الصومَ عضدٌ لمن يصومون في الحقّ. أيها الصديقُ الحبيب، لا يقومُ الصومُ على الامتناع عن تناول الخبز والماء، بل لهُ مقومات وافرة: منهم من يصوم عن الخبز والماء حتى يجوع ويعطش، ومنهم من يصوم بُغية الحفاظ على البتولية. إن جاعَ فلا يأكل، وإن عطشَ فلا يشرب. هذا الصوم هو في غاية الجودة. ومنهم من يصومُ بالقداسة، وهذا أيضاً سليم. بعضهم يصوم عن اللحمِ والخمر وانواع المأكل، وبعضهم يصوم إذ يضع لِفمِه حاجزاً فلا يتفوّه بسيِّ الكلام. منهم من يصومُ عن الغضب ضابطاً نفسَهُ لئلاّ تقوى عليه، ومنهم مَن يصوم عن القِنيَةِ لئلاّ تستنيم لها نفسه. هناك من يصوم عن أنواع المتطلبات، ليظلَّ يقظاً في الصلاة، وهناكَ مَن يصوم عن رغبات هذا العالم ، لئلا ينتصر الشرير عليه. مِنهم مَن يصوم طلباً للتقشّفِ والتماساً لرِضى ربّه عليه؛ وأخيراً بعضهم يصوم عن جميع هذه التى ذكرنا صائغاً منها صوماً واحداً...
من فقد نقاوةَ القلب، فصومُهُ غير مقبول. تذكَّر، أيها الحبيب، كَم هي غنيّة رغبة الإنسان الذي ينقّي قلبه ويحفظ لسانه، ويمنَع يدَيه من فعلِ الإثمِ، كما سبقَ وكتبتُ لكَ. لا يليقُ بالإنسان أن يمزُجَ العسَلَ بالمرارة. إذا صامَ عن الخبز والماء، فلا ينبغي أن يمزج بصومه التجاديفَ واللعنات. واحدٌ هوَ بابُ بيتكَ، وبيتكَ هوَ هيكل الله. عندما يصومُ الإنسان عنِ السيئات، ويأخذ جسد المسيح ودمه، عليهِ أن يُحافظ بكلّ عنايةٍ على فمهِ الذي بهِ يدخل ابن الملك. لا يحقّ لكَ أن تُخرِجَ من فمِكَ الكلمات المشينة.
إسمع ما يقوله واهبُ الحياة: "ليسَ ما يدخلُ الفمَ ينجّسُ الإنسان، بل ما يَخرج من الفمِ هو الذي يُنَجّسُ الإنسان" متى 15/ 11