أقوم وأمضي إلى أبي وأقول له: يا أبي, خطئت إلى السماء وأمامك

Father-I-have-sinned-against-you

يُخبِرُنا الرَّبُّ يسوعُ عن حالِنا، بأمثالٍ نَفهمُها، الاِبنُ الأصغرُ أرادَ ما سمّاهُ حريّةً، اِبتعدَ عن بيتِ أبيهِ، أخذَ ميراثَهُ قبلَ أن يَرِثَ أباهُ، وضاعَ في متاهاتِ وخِداعِ هذا العالَمِ، سقطَ وغرقَ في الوحولِ، بدّدَ نِعمَ أبيهِ، وصارَ يَرعى مع الخنازير. سقوطهُ كانَ عظيمًا، بعدَ أن كانَ اِبنًا صارَ مُمرَّغًا في وحولِ العالمِ، يَخجلُ من نفسهِ، ويَشتهي من الخيرِ الّذي فقدَهُ. ففكّرَ، وقرّرَ، وقامَ... وعادَ خجلًا، مُنسحقًا، مُعتبِرًا ذاتَهُ غيرَ مستحقٍّ، لكنَّهُ فهِم بعدَ كلِّ هذا الضّلالِ أنْ لا حياةَ له خارجًا عن بيتِ أبيه. فقرّرَ أن يعودَ ويكونَ أجيرًا، عبدًا، لكن في البيت. والأبُ الّذي يَنتظِرُ كلَّ هذهِ السّنينَ عودةَ اِبنهِ، أسرعَ وضمّهُ ولم يَلُمْهُ، اِكتفى برؤيتهِ عائِدًا، فمُحيَتْ كلُّ آثامهِ وخطاياهُ وعادَ إلى بيتهِ مُكرَّمًا، اِبنًا وليسَ عبدًا. قلبُ الآبِ لا يَقبَلُ إلَّا أن يَرفعَ أبناءَهُ العائِدينَ إليه التّائبين. أمّا الاِبنُ الأكبرُ الّذي ضلَّ هوَ أيضًا، مع أنّهُ بقيَ في البيتِ، لكنّهُ نسيَ أنّه اِبنٌ، فكانَ يَعيشُ في بيتِ أبيهِ كالغريبِ، يَنتظرُ إجرتَهُ ويَعملُ واجباتِه... قسّى قلبَهُ وأغلقَهُ على الرّحمةِ والمحبّةِ ونصَّبَ نفسَهُ ديّانًا، واِعتبرَ نفسَهُ الأفضلَ، ولم يرَ خطيئتَه. والآبُ، هذا القلبُ الّذي لا يَقدِرُ إلّا أن يُحِبَّ، يقولُ لنا كلَّ يومٍ: يا ولدي، كلُّ ما لي هوَ لكَ، اِفرحْ وتنعّمْ في البيتِ الأبويِّ، واِفرحْ وتهلّلْ بعودةِ أخيكَ، وكلُّ مَن كانَ ضائِعًا ووُجِدَ.

يا ربُّ، يا أبانا، حرِّرْنا من الكبرياءِ الّذي يُسيطرُ على قلوبِنا ويَمنعُنا من فهمِ عِظَمِ محبّتِكَ، حرِّرْنا من الاِمتلاءِ من أنفسِنا فننصّب ذاتَنا ديّانينَ ونتصرّف بقساوةِ تجاهَ كلِّ ضالٍّ. يا ربُّ، لا تَسمحْ بأن نقعَ في فخِّ التّفرقةِ بينَ البشرِ، بلْ ساعِدْنا لنتشبّهَ بيسوع بالرّحمةِ والمحبّةِ، بالسّعيِ لعودةِ كلِّ ضالٍّ إلى بيتِ أبيهِ، بالمساواةِ الحقيقيّةِ، بالنّقاوةِ والوداعةِ والعيشِ في البرارةِ، فنصيرَ شهودَ رحمتِكَ ومحبّتِكَ في هذا العالَمِ الّذي يُضلِّلُ العقولَ والنّفوسَ الضّعيفة.

جميع حقوق نشر التأملات محفوظة لعيلة مار شربل