أنت هو ابني الحبيب, بك رضيت
خرجَ يوحنّا إلى بريّةِ العالمِ، يَدعو النّاسَ إلى التّوبةِ، يُحضّرُ لمَجيء المُخلّصِ، والنّاسُ يَنتظرونَهُ، ويَتساءلونَ بشأنه. أأنتَ المسيحُ؟ ويوحنّا الّذي يعلَمُ مَن هوَ، يَعلَمُ حَجمَهُ وحجمَ مَن أرسلَهُ، لا يَتشامخُ ولا يَتفاخرُ، بل يَصغُر ويَتواضعُ، لأنّهُ مُرسَلٌ ليُهَيّىءَ الطّريق. هوَ يُعمِّدُ بالماءِ، معموديّةَ التّوبة، ويَعلمُ بالرّوح ِالّذي حاكاهُ في أعماقهِ، أنَّ الآتي بعدَهُ هوَ الأعظمُ، هوَ الّذي سيَنحني أمامَ عظمتهِ، هوَ الّذي سيُعمِّدُ النّاسَ بالرّوحِ القدُس والنّار. هوَ الّذي يُطهّرُ، ويُميتُ الخطيئةَ ويُحيي بالرّوح كلَّ مَن يَقبَلُ ويَأتي، لحياةٍ جديدة. ولم يَخفْ يوحنّا من قولِ الحقّ، لكلِّ مَن كانَ، لعامّة ِالشّعب ِوللملوكِ الأرضييّنَ، فهوَ قد اِرتفعَ بنفسهِ وروحهِ عن كلِّ مجدٍ وتَساوى البشر ُعندَهُ، ولم يَعدْ يُريدُ إلّا إيصالَ كلمةِ الحقِّ، حتّى على قطعِ رأسه. وبينما هوَ يُعمّدُ، أتى يسوع، لقد أرادَ أن يَقفَ معَنا، ويُعلِّمَنا، وقفَ مع الخطأةِ وهوَ ماحي الخطايا، وقفَ ليَعتَمدَ، وهوَ صاحبُ المعموديّةِ ومُحيي النّفوس. وقفَ واِعتمدَ، لتنفتحَ السّماءُ، ويُعتَلَن أنّهُ الإبنُ بصوتِ الآبِ، وحلولِ الرّوح. "أنتَ اِبني الحبيب بكَ رَضيت". هكذا اِرتضى الله، حُبًّا بالإنسان، ورغبةً بخلاصِه. نزلَ إلينا يسوع، تاركًا مجدَهُ وملكوتَهُ وعرشَهُ، فساوى نفسَهُ بنا، نزلَ في المياهِ، وقدّسَها، لننزلَ نحنُ فيها، فنموتَ معهُ عن الضّعفِ والخطيئةِ لنقومَ معهُ مُمتلئينَ من روحهِ للحياةِ الجديدة.
يا ربّ، يا صاحبَ المعموديّةِ وخالقَ الأرضِ والمياهِ والسّماءِ، يا مُحيي الأجساد والنّفوس، يا مُطهِّرَ الخَطأة، أحْيِنا اليومَ في ذكرى عمادِكَ، وأمِتْ فينا كلَّ خطيئةٍ وضعفٍ وكسلٍ وتساهُل. جدِّدْنا فنَعيَ عظمة َعمادِنا، ونَنطِلقَ رُسلاً في عالمِنا نُخبِر عن الخلاصِ الّذي لا ولنْ يكونَ إلّا بِكَ.
جميع حقوق نشر التأملات محفوظة لعيلة مار شربل