"إِرْحَمْني، يَا رَبّ".

التأمل: "إِرْحَمْني، يَا رَبّ".

أتى إلى بلاد الكنعانيين، إلى بلادنا، وكانت في ذلك الوقت بلاد الوثنييّن، وقد غرقوا بالخطايا، والشعب اليهودي كان ينظر إليهم نظرة إزدراء ويعتبرونهم كلابًا لنجاستهم وانغماسهم في الخطيئة.

أتى وهوَ يعلَم إلى أين يأتي، ويعلم ماذا سيصنع... سمعت به هذه المرأة، فاسرعت إليه، متضرّعه، منسحقة، طالبة وساجدة. أتت بتواضع كلّي وانسحاق قلب، أتت بثقة، بحبّ كبير. حبّ لإبنتها، وثقة بالربّ الحاضر أمامها. توسّلت، وأصرت.. والجمع والتلاميذ، انزعجوا من وجودها وقُربها من المعلّم، فسألوه أن يصرفها. حاجتها وتوسّلها لم يعني لهم شيئًا، فقد قست قلوبهم، وبنوا حاجزاً بينهم وبين إخوتهم، ورفضوا كسره. أما الربّ، فأراد تلقينهم درسًا في الإيمان، ودرسًا في الإنسانية. أجابها الربّ، وكأنه يختبر إيمانها، هل يجوز أن يُرمى خبز البنين لجراء الكلاب. استعمل كلامهم... لكّن المرأة لم تأبه، بل أصرت، وبتواضع اكبر وانسحاق اكثر، سألت أن يعطيها الفتات الذي يتساقط عن مائدة البنين.

فكان لها ما أرادت وأكثر. رحمة من الربّ، شفاءً لإبنتها، ومديحاً لإيمانها أمام كلّ من ازدراها. قادها الربّ إلى التوبة، وأعطاها ما تريد

يا ربّ، رأيت في هذه المرأة استعدادًا للتوبة، وتواضع قلبٍ كبير فكانت درسًا لكلّ متكبّر، متعالٍ، معتدٍّ بنفسه. قوّنا فنرى خطيئتنا، انرنا فكتشف اماكن كبريائنا إلهمنا فنكسر الحواجز التي بها أصدرنا أحكامًا على إخوتنا، فنقترب منك، تنظر إلنا، تملأنا من رحمتك، ترحمنا، وترضى عنّا.